حديث عقبة بن عامر الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم 105
مستند احمد
حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثنا عبد العزيز بن مسلم، حدثنا يزيد بن أبي منصور، عن دخين الحجري [ص:637]، عن عقبة بن عامر الجهني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إليه رهط، فبايع تسعة وأمسك عن واحد، فقالوا: يا رسول الله، بايعت تسعة وتركت هذا؟ قال: «إن عليه تميمة» فأدخل يده فقطعها، فبايعه، وقال: «من علق تميمة فقد أشرك»
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَريصًا على بِناءِ العَقيدةِ الصَّافيةِ في قُلوبِ المؤمِنينَ، وتَخليصِها مِن آثارِ الجاهِليَّةِ السَّيِّئةِ، ومِن ذلكَ بِناءُ عَقيدةِ التَّوكُّلِ على اللهِ سُبْحانَه، وعَدمُ اعتِقادِ أنَّ النَّفعَ والضُّرَّ يُمكِنُ أنْ يَأتِيَ مِن غَيرِه؛ فكلُّ شَيءٍ في الكَونِ بقَدَرِ اللهِ تَعالَى
وفِي هذَا الحدِيثِ يُخبِرُ عُقْبةُ بنُ عامرٍ الجُهَنيُّ رَضِيَ اللَّهُ عنْه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أقبَلَ إليه مَجموعةٌ مِنَ الرِّجالِ يُبايِعونَه على الإسلامِ. والرَّهْطُ: ما دُونَ العَشَرةِ مِنَ الرِّجالِ. أو: مِن سَبعةٍ إلى عَشَرةٍ، أو: مِن العَشرةِ إلى الأَرْبعينَ
فبايَعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تِسعةً منهم، وامتَنعَ عن مُبايَعةِ العاشرِ، فسَأَلَه أصْحابُه عن سبَبِ ذلكَ، فبيَّنَ لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ السَّبَبَ؛ وهو: أنَّ الرَّجُلَ كان لابسًا تَميمةً، فلمَّا عَلِمَ الرَّجُلُ بذلكَ، وسَمِعَه مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ قطَعَ التَّميمةَ، فبايَعَهالنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَثُمَّ قال: «مَن علَّقَ تَميمةً»؛ وهي تَعْويذةٌ تُعلَّقُ على الآدَميِّ مِن خَرَزاتٍ، أو قِلادةٍ، أو حِجارةٍ، أو وَرَقٍ مَكْتوبٍ، أو غَيرِ ذلكَ، وهذا كان مِن عاداتِ الجاهليَّةِ؛ يَعتقِدونَ فيها أنَّها تَقيهِم وتَحمِيهم مِنَ السُّوءِ والآفاتِ، وكانوا يُلبِسونَ الأطْفالَ والخَيلَ القلائدَ والخيوطَ الَّتي فيها الخَرَزُ والتَّمائمُ؛ لِتَدفَعَ عنهُمُ السُّوءَوالعَينَ بِزعْمِهم الباطِلِ، ثُمَّ اتَّسَعوا فيها حتَّى سَمَّوا بها كُلَّ عُوذةٍ، وَعلَّقُوها على الآدَمِيِّ، وَالبَهيمةِ، وغَيرِ ذَلِكَ، وكانوا فِي الجاهليَّةِ يَعتقِدونَ أنَّ ذلكَ يَدفَعُ الآفاتِ، ويَردُّ القَدَرَ؛ فنبَّهَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مَن فعَلَ ذلكَ بهذا الاعتِقادِ «فقَدْ أشرَكَ»؛ أي: فعَلَ فِعْلَ أهْلِ الشِّركِ، وأشرَكَ بِاللهِ شِرْكًا أصغَرَ، إنِ اعتقَدَ أنَّها سَبَبٌ مُؤثِّرٌ في جلْبِ الخَيرِ أو دَفعِ الضُّرِّ، أو أنَّها سبَبٌ في ردِّ العَينِ. أمَّا مَنِ اعتَقدَ فيها النَّفعَ، وأنَّها تَدفَعُ الضَّرَرَ بذاتِها مِن دونِ اللهِ جَازمًا بذلكَ؛ فهذا مِنَ الشِّركِ الأكبَرِ
وفي الحَديثِ: التَّشديدُ في أمْرِ الإشْراكِ باللهِ باعتِقادِ النَّفعِ والضُّرِّ في أشْياءَ وأُمورٍ لَيسَتْ كذلكَ، والنَّهيُ عن كلِّ سبَبٍ يُؤدِّي إلى ذلكَ