مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه85
مسند احمد
حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد، أو عن أبي هريرة، - شك الأعمش - قال: لما كان غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة، فقالوا: يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادهنا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " افعلوا " فجاء عمر فقال (1) : يا رسول الله إنهم إن يفعلوا (2) قل الظهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم، ثم ادع لهم عليه بالبركة لعل الله أن يجعل في ذلك، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنطع فبسطه، ثم دعاهم بفضل أزوادهم، فجعل الرجل يجيء بكف الذرة، والآخر بكف التمر، والآخر بالكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير، ثم دعا عليه بالبركة، ثم قال لهم (3) : " خذوا في أوعيتكم "، قال: فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في (4) العسكر وعاء إلا ملئوه، وأكلوا حتى شبعوا وفضلت منه فضلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بها عبد غير شاك فتحجب عنه (5) الجنة " (6)
أيَّد اللهُ سُبحانَه نَبيَّهُ مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالمُعجِزاتِ الخارِقَةِ للعادَةِ الدَّالَّةِ على نُبُوَّتِهِ، ومِن هذه المُعجِزاتِ تَكثيرُ الطَّعامِ بيْن يَدَيه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وحُلولُ البَرَكةِ فيه.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ سَلَمَةُ بنُ الأكْوَعِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم كانوا في سَفَرٍ أو غَزوةٍ، يَحتمِلُ أنْ تكونَ غَزوةَ تَبوكَ؛ ففي صَحيحِ مُسلمٍ مِن حَديثِ أبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه قال: «لمَّا كان غَزوةُ تَبوكَ أصابَ النَّاسَ مَجاعةٌ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، لو أذِنْتَ لنا فنَحَرْنا نَواضِحَنا». فخَفَّتْ أَزْوادُهم وأَمْلَقُوا، يعني: اقتَرَبَ طَعامُهم مِنَ النَّفادِ وافْتقَروا واحتاجوا، فجَاؤوا إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَسْتأذِنونه أنْ يَنحَروا إبِلَهم التي تَحمِلُهم لِيأكُلوا منها، فأَذِن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لهم، فلمَّا عَلِم عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه، قال لهم: ما بَقاؤُكم بعدَ إبِلِكُم؟ يعني: إنْ نَحَرْتُم الإبِلَ فإنَّ هَلاكَكم سيَكونُ سَرِيعًا ولا تَبْقَونَ بعْدَها، وذَهَب عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأخبَرَه برَأْيِه هذا، فأمَرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُنادِيَ في النَّاسِ، فيَأتُوا بما بَقيَ معهم مِن الزَّادِ، فأتَى النَّاسُ بما بَقِيَ ووُضِعَ على نِطَعٍ، وهو الجِلْدُ الَّذي يُبسَطُ، فدَعا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالبَرَكةِ على هذا الطَّعامِ، ثُمَّ دَعا النَّاسَ فجاؤوا بأَوْعِيَتِهم فأخَذوا يَحتَثُون، يعني: يَأخُذون مِن الطَّعامِ بأَكُفِّهم، حتَّى فَرَغوا وأخَذوا ما يَكفِيهم ببَرَكةِ دُعائِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتَبْريكِه، ثُمَّ قال: أَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنِّي رَسولُ اللهِ، إشارةً منه إلى أنَّ ظُهورَ هذه المُعجِزةِ دَليلٌ على أنَّه نَبِيٌّ مُرسَلٌ مِنَ المَولَى سُبحانه وتعالَى.
وفي الحديثِ: مُعجِزةٌ مِن مُعجِزاتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأثَرٌ مِن آثار بَرَكتِه، وما أكثَرَها!
وفيه: المَشورةُ على الإمامِ بالمَصلحةِ، وإنْ لم يَتقدَّمِ الاستشارةُ منه.
وفيه: المُواساةُ في الطَّعامِ، وجمْعُه عندَ قِلَّتِه.