والذي قال لوالديه أف لكم
بطاقات دعوية
عن يوسف بن ماهك؛ قال: كان مروان على الحجاز، استعمله معاوية، فخطب، فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكى يبايع له بعد أبيه، فقال له عبد الرحمن بن أبى بكر شيئا، فقال: خذوه. فدخل بيت عائشة، فلم يقدروا عليه, فقال مروان: إن هذا الذى أنزل الله فيه {والذى قال لوالديه أف لكما أتعداننى}. فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن؛ إلا أن الله أنزل عذرى.
في هذا الحديثِ تَروي عائشةُ رضِي اللهُ عنها أنَّ مَرْوانَ بنَ الحَكمِ كان واليًا لِمُعاويةَ رضِي اللهُ عنه على الحجازِ -مَكَّةَ والمدينةِ وما حولَهما- فخطَبَ وذكَرَ يَزيدَ بنَ مُعاويةَ، وأرادَ أنْ يَأخُذَ له البيعةَ مِن أهلِ الحجازِ، وكان عَبدُ الرَّحمنِ بنُ أبي بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنهما حاضرًا، فقال له شيئًا -يُقال: إنَّه قال له: إنَّكَ تَسُنُّ سُنَّةَ هِرَقْلَ وحُكَّامِ الرُّومِ غيرِ المسلمينَ في تَوريثِ الخلافةِ، ولم يَكُنِ الأمرُ كذلك في عهْدِ الخُلفاءِ رضِي اللهُ عنهم- فغَضِبَ مَرْوانُ وأمَرَ الجنودَ أنْ يَأخُذوا عبدَ الرَّحمنِ، فدَخَلَ عبدُ الرَّحمنِ رَضِيَ اللهُ عنه مَنزِلَ أُختِه عائشةَ رضِيَ اللهُ عنهما، فلمْ يَقدِروا على الدُّخولِ؛ لِمَكانتِها وحُرمتِها رضِيَ اللهُ عنها، فقالَ مَرْوانُ: إنَّ هذا الَّذي أنْزَلَ اللهُ فيه: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي} [الأحقاف: 17]، يريدُ: أنَّ الآيةَ نزَلَتْ في عَبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي بَكرٍ رضِي اللهُ عنه، فردَّتْ عائشةُ رضِي اللهُ عنها مِن وراءِ الحجابِ ونفَتْ ذلك عَن أخيها، وفي روايةٍ في سُنَنِ النَّسائيِّ الكُبرى أنَّها قالتْ له: «وإن شئتَ أن أسَمِّيَ الذي أُنزِلَت فيه لسَمَّيتُه»، أي: لو أردتُ أنْ أَذكُرَ لك اسمَ مَن نزَلتْ فيه الآيةُ لَذَكَرْتُه لك، ثُمَّ قالتْ: إنَّ اللهَ لم يُنزلْ فينا -تَقصِدُ آلَ أبي بَكرٍ وبَنيهِ رضِي اللهُ عنهم- شيئًا مِنَ القرآن إلَّا أنَّ اللهَ أنزلَ عُذْري، أي: بَراءتي ممَّا اتَّهمني به أهلُ الإفكِ، وتَعني ما نَزَلَ بشأنِها مِن آياتٍ في سُورةِ النُّور مِن قولِه تعالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ...} إلى قَولِه تعالى: {أُولَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [النور: 11- 26].