القراءة في الصبح بالمعوذتين
سنن النسائي
أخبرنا موسى بن حزام الترمذي، وهارون بن عبد الله، واللفظ له قالا: حدثنا أبو أسامة قال: أخبرني سفيان، عن معاوية بن صالح، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، عن عقبة بن عامر، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المعوذتين. قال عقبة: «فأمنا بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر»
أنزَلَ اللهُ سُبحانَه القُرآنَ على النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وعلَّمَه النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأصحابِه، وأحكَمَ اللهُ آياتِه وحفِظَ كِتابَه، ثمَّ دوَّنَ الصَّحابةُ القُرآنَ وجمَعوه بين دَفَّتيِ المُصحفِ، ثمَّ نَشَروه في الآفاقِ والبلادِ في عهْدِ عُثمانَ رضِيَ اللهُ عنه
وفي هذا الخَبرِ يَحكي عُقبةُ بنُ عامرٍ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّه سأَلَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن المُعوِّذتينِ؟" وهما سُورتَا الفلَقِ والنَّاسِ، وفي صحيحِ ابنِ خُزيمةَ، قال: "سألْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن المُعوِّذتينِ؛ أمِنَ القُرآنِ هما؟"
"قال عُقبةُ: فأَمَّنَا بهما رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في صَلاةِ الفجْرِ"، أي: قرَأَ بهما النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعدَ الفاتحةِ في صَلاةِ الفجْرِ؛ بَيانًا لكونِهما من القُرآنِ، وليُبيِّنَ بذلك أَنَّهما عَظيمتانِ تَقومانِ مَقامَ سُورتينِ عَظيمتينِ، كما هو المُعتادُ في صَلاةِ الفجْرِ
وقد كان عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه يَرى أنَّهما لَيْستَا من القُرآنِ، كما أخرَجَ ابنُ أبي شَيبةَ في مُصنَّفِه- وأصْلُ الحديثِ في الصَّحيحِ- عن زِرِّ بنِ حُبَيشٍ، قال: "قلْتُ لأُبيِّ بنِ كَعبٍ: إنَّ ابنَ مسعودٍ لا يكتُبُ المُعوِّذتينِ في مُصحَفِه؟ فقال: أشهَدُ أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخْبَرني أنَّ جِبريلَ عليه السَّلامُ قال له: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}، فقُلْتُها، قال: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}، فقُلْتُها؛ فنحن نقولُ ما قال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"
ولعلَّ ابنَ مسعودٍ رضِيَ اللهُ عنه لم يسمَعْهما من النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ولم يَتواتَرْ عنده أنَّهما مِن القُرآنِ، أو حسِبَ أنَّهما ممَّا نُسِخَ، ثُمَّ إنَّه قد رجَعَ عن قولِه ذلك إلى قَولِ الجَماعةِ؛ فإنَّ الصَّحابةَ رضِيَ اللهُ عنهم أثْبَتوهما في المصاحفِ وأنفَذُوها إلى سائرِ الآفاقِ كذلك