‌‌باب الأمثال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

سنن الترمذى

‌‌باب الأمثال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

حدثنا قتيبة قال: حدثنا حماد بن يحيى الأبح، عن ثابت البناني، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره». وفي الباب عن عمار، وعبد الله بن عمرو، وابن عمر. وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وروي عن عبد الرحمن بن مهدي أنه كان يثبت حماد بن يحيى الأبح، وكان يقول: هو من شيوخنا

جَعَل اللهُ الخيرَ في الأمَّةِ الإسلاميَّةِ إلى آخِرِ الزَّمانِ؛ فهي أمَّةُ الخيرِ والهُدى والرَّشادِ، حاملةُ لِواءِ الحقِّ، معَها الهدى والنُّورُ تَسيرُ به في ظُلماتِ الكفرِ والشِّركِ، فتُضيءُ به الظُّلماتِ، وتُزيلُ به الغِشاوةَ مِن الأعيُنِ الضَّالَّةِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ الرَّسولُ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "مَثَلُ أمَّتي مَثلُ المطَرِ"، أي: في نفْعِه، ثمَّ أوضَح ذلك "لا يُدْرَى أوَّلُه خيرٌ"، أي: أنفَعُ، "أم آخِرُه"، فقيل: المرادُ هنا بخيريَّةِ مَن تأَخَّر عهدُه هو النَّفعُ، ولا يَلزَمُ مِنه فضيلتَه على القُرونِ الأولى؛ فهُم أفضلُ ممَّن بعدَهم بلا شكٍّ، وقيل: أراد النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أن يَصِفَ الأمَّةَ كلَّها بالخيرِ؛ فكأنَّها للنَّاظِرِ إليها نسيجٌ واحدٌ لا يَرى خِلافًا ظاهِرًا في أوَّلِها وآخِرِها؛ لِكَثرةِ الخيرِ في جميعِ طبَقاتِها، فكأنَّها سِلسلةٌ متَّصِلةٌ، مع اختِصاصِ كلِّ طبقةٍ بخاصيَّةٍ وفضيلةٍ تُوجِبُ خيريَّتَها، كما أنَّ كلَّ نَوْبةٍ مِن نُوَبِ المطرِ لها فائدةٌ في النُّشوءِ والنَّماءِ لا يُمكِنُ إنكارُها؛ فإنَّ الأوَّلين آمَنوا وشاهَدوا مِن المعجزاتِ، وتلَقَّوا دَعوةَ الرَّسولِ بالإجابةِ والإيمانِ، والآخِرين آمَنوا بالغَيبِ؛ لِمَا تَواتَر عِندَهم مِن الآياتِ، واتَّبعوا مَن قَبلَهم بإحسانٍ، وكما أنَّ المتقدِّمين اجتهَدوا في التَّأسيسِ والتَّمهيدِ، فالمتأخِّرون بذَلوا وُسْعَهم في التَّلخيصِ والتَّجريدِ، وصرَفوا عُمرَهم في التَّقديرِ والتَّأكيدِ؛ فكلٌّ مغفورٌ له، وسَعيُهم مشكورٌ، وأجرُهم موفورٌ.