باب القسمة بين النساء 1
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا وكيع، عن همام، عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما على الأخرى، جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط" (1).
الظُّلمُ ظُلماتٌ يومَ القيامةِ، ومِن الظُّلمِ: أنْ لا يَعدِلَ المتزوِّجُ بأكثرَ مِن واحدةٍ في النَّفَقةِ أو قِسْمةِ اللَّيالي بينَهنَّ، فيُعاقبُه اللهُ بهذا الْمَيلِ إلى إحداهنَّ بأن يَأتِيَ مائلًا يَومَ القيامةِ، كما في هذا الحديثِ، حيث يقولُ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم: "مَن كان له امْرَأتان يَميلُ لإحداهما على الأخرى"، أي: مَيلًا بالأفعالِ، كعدَمِ التَّسويةِ في القِسْمةِ، ونَحوِ ذلك، ولا يَدخُلُ هنا الميلُ القلبيُّ، وهو المقصودُ في قولِه تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء: 129]؛ فعدَمُ الاستطاعةِ مُتعلِّقةٌ بمَيلِ القلبِ إلى زَوجةٍ أكثرَ مِن أخرى، وقد ورَد عند أصحابِ السُّنَنِ الأربعةِ عن عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها أنَّها قالت: "كان رسولُ اللهِ عليه السَّلامُ يَقْسِمُ فيَعدِلُ، ويَقولُ: "اللَّهمَّ هذا قَسْمي فيما أملِكُ، فلا تَلُمْني فيما تَملِكُ ولا أَملِكُ"، يَعني: القَلبَ، وقد قال الحقُّ: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ}، أي: لا تتَعمَّدوا الإساءةَ، بل الْزَموا التَّسويةَ في القَسْمِ والنَّفقةِ؛ لأنَّ هذا ممَّا يُستَطاعُ.
وقولُه: "جاء يومَ القِيامةِ، أحَدُ شِقَّيهِ مائلٌ"، أي: يَجيءُ يومَ القيامةِ، وحالتُه أنَّه غيرُ مُستَوي الطَّرَفَينِ، بل يَكونُ أحَدُ شِقَّيه كالرَّاجحِ وَزنًا؛ لِعَدمِ تَسويتِه بينَ أزواجِه في الدُّنيا، بل مَيلُه لبعضِ نِسائِه دونَ البعضِ؛ فعُوقِبَ من جِنسِ فِعلِه، وقيل: يأتي مائِلًا بحيثُ يَراه أهلُ العَرَصاتِ؛ لِيَكونَ هذا زيادةً في التَّعذيبِ. والاقتصارُ في الحُكْمِ على امرَأتَين مِن بابِ ذِكْرِ الأدنى، فمَن كان له ثَلاثُ زوجاتٍ أو أربعٌ فهو مُخاطَبٌ بالحُكْمِ المذكورِ في الحديثِ.
وفي الحديثِ: أنَّ الجزاءَ مِن جِنسِ العَملِ.
وفيه: الحَثُّ على مَكارمِ الأخلاقِ في مُعامَلةِ الزَّوجاتِ.
وفيه: الابتعادُ عن كلِّ فِعلٍ يُؤدِّي إلى شَحناءَ وبَغضاءَ المسلمين، وخُصوصًا الأزواجَ .