باب تبريد الحصى للسجود عليه
سنن النسائي
أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا عباد، عن محمد بن عمرو، عن سعيد بن الحارث، عن جابر بن عبد الله قال: «كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر فآخذ قبضة من حصى في كفي أبرده، ثم أحوله في كفي الآخر، فإذا سجدت وضعته لجبهتي»
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وأصحابُه رَضِي اللهُ عَنهم في ضِيقٍ مِن العَيشِ في أوَّلِ الإسلامِ، حتَّى إنَّهم كانوا يُصلُّونَ على الأرضِ شِدَّةِ الحرِّ؛ إذ لم يَكنُ بالمساجِدِ فُرُشٌ، كما يَحكي جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضِي اللهُ عَنهما
في هذا الحديثِ، فيقولُ: "كنَّا نُصلِّي مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم الظُّهرَ، فآخُذُ قَبضةً مِن حصًى في كفِّي"، والقَبضةُ: مِلْءُ كفِّ اليَدِ، والمرادُ بالحصَى: الحجارةُ الصَّغيرةُ، "أُبَرِّدُه"، أي: بغرَضِ تَبريدِها؛ وذلكَ لِمَا يُصيبُ الأرضَ مِن حرٍّ وسُخونةٍ في هذا الوقتِ، "ثمَّ أُحوِّلُه في كفِّي الآخِرةِ"، أي: طلبًا لِمَزيدِ التَّبريدِ للحصَى، "فإذا سجَدْتُ وضعتُه لجبهتي"، أي: إنَّه يَسجُدُ على الحصَى الَّذي يُمسِكُه بكفِّه، واضعًا جَبهتَه عليه؛ تَفادِيًا أن تُصيبَ جَبهَتَه سُخونةُ الأرضِ؛ قيل: وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّهم كانوا يُصلُّونَ الظُّهرَ في أوَّلِ الوقتِ، وقد ورَد عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم الأمرُ بالإبرادِ بصلاةِ الظُّهرِ عند الحَرِّ، وتأخيرِها عن وقتِها؛ فقِيلَ: إنَّ شِدَّةَ الحرِّ قد توجَدُ مع الإبرادِ، فيُحتاجُ إلى السُّجودِ على الثَّوبِ، أو إلى تَبريدِ الحصَى؛ لأنَّه قد يَستمرُّ حرُّه بعد الإبرادِ، ويكونُ فائدةَ الإبرادِ وجودُ ظلٍّ يُمشَى فيه إلى المَسجِدِ، أو يُصلَّى فيه في المسجِدِ
وفي الحديث: مَشروعيَّةُ تبريدِ الحَصَى والتُّرابِ؛ لأجلِ السُّجودِ عليه
وفيه: دفْعُ الضَّررِ حالَ الصَّلاةِ بما هو أجنبيٌّ عنها
وفيه: مُراعاةُ ما يُؤدِّي إلى الخُشوعِ في الصَّلاةِ