باب ترك أخذ الشعر لمن أراد أن يضحي
سنن الترمذى
حدثنا أحمد بن الحكم البصري قال: حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن مالك بن أنس، عن عمرو أو عمر بن مسلم، عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من رأى هلال ذي الحجة، وأراد أن يضحي، فلا يأخذن من شعره، ولا من أظفاره»: هذا حديث حسن صحيح والصحيح هو عمرو بن مسلم، قد روى عنه محمد بن عمرو بن علقمة وغير واحد وقد روي هذا الحديث عن سعيد بن المسيب، عن أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه نحو هذا، وهو قول بعض أهل العلم وبه كان يقول سعيد بن المسيب، وإلى هذا الحديث ذهب أحمد، وإسحاق ورخص بعض أهل العلم في ذلك، فقالوا: لا بأس أن يأخذ من شعره وأظفاره، وهو قول الشافعي، واحتج بحديث عائشة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث بالهدي من المدينة، فلا يجتنب شيئا مما يجتنب منه المحرم»
الأُضحيَّةُ هي ما يُقدِّمُه القادرون قُربةً للهِ في أيَّامِ عِيدِ الأضحى، فيَذبَحُ كلُّ واحدٍ على حسَبِ استطاعتِه وما يَقدِرُ عليه مِن الأنعامِ؛ مِن الإبلِ أو البقَرِ أو الضَّأنِ، وعلى المُضحِّي أنْ يَتَّبِعَ السُّننَ والآدابَ الشَّرعيَّةَ؛ لأنَّها إنْ تَمَّت على وَفْقِ الشَّرعِ ووَفْقِ أهدافِه أعْطى اللهُ للمسْلمِ ثَوابًا عظيمًا.
وفي هذا الحديثِ يَقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «مَن كانَ له ذِبْحٌ يَذبَحُه» أَي: عِنده قُدرةٌ واستطاعةٌ أنْ يَذبَحَ ما يُمكِنُه مِن الإبلِ أو البقرِ أو الغنمِ ممَّا تَوافرتْ شُروطُه الشَّرعيَّةُ، فإذا ثَبَتَ دُخولُ شَهرُ ذي الحِجَّةِ بظُهورِ هِلالِه، فعَلَى مَن أَرادَ أنْ يُضحِّيَ ألَّا يَأخُذَ شَيئًا مِن شَعرِه، سَواءٌ كانَ شَعرَ الرَّأسِ أو شَعرَ الإِبْطِ أو العانةِ، ولا مِن أَظفارِه، سَواءٌ كانَ ظُفرَ يدٍ أو رِجلٍ، بلْ يَترُكُ ذلك كلَّه حتَّى يَذبَحَ أُضحيَّتَه، وفي ذلك تَشبُّهٌ بالمُحْرِمِ، فكَما أنَّ المُحرِمَ بالحجِّ في ذلك الوقتِ لا يَأخُذُ شَيئًا مِنَ شَعرِه أوِ أظْفارِه، فكَذلكَ غَيرُ المُحرِمِ له نَصيبٌ مِن شَعائرِ النُّسُكِ، فَأَمَرَه ألَّا يَأخُذَ شَيئًا مِن شَعرِه وأَظفارِه، فيَستشْعِرُ بذلك ما عليه المحْرِمون مِن أحوالٍ، ويَتذَكَّرُ ما هُم فيه مِن رَحمةٍ ورِضوانٍ، فَيسأَلُ اللهَ مِن فضْلِه، ويَرْجو رَحمتَه، ويَخْشى عَذابَه.