باب تهنئة النكاح 2
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا أشعث، عن الحسن
عن عقيل بن أبي طالب: أنه تزوج امرأة من بني جشم، فقالوا: بالرفاء والبنين. فقال: لا تقولوا هكذا، ولكن قولوا كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم بارك لهم وبارك عليهم" (1).
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحسنَ النَّاسِ خُلُقًا وتعليمًا، فكان يُجِيبُ دعوةَ أصحابِه ويُكرِمُهم بزِيارتِه، ويُعلِّمُهم في جَلساتِه ما فيه نفْعُهم ونفْعُ المُسلِمين مِن الآدابِ والأخلاقِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ بِشرٍ المازنيُّ: "بَعَثني أبي إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أدْعوهُ إلى طعامٍ" قد أعدَّهُ؛ تَكرمةً للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "فجاء معي، فلمَّا دنَوتُ مِن المنزلِ"، أي: اقترَبَ منه، "أسرعْتُ"، أي: سابَقَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لدخولِ البيتِ، "فأعلمْتُ أبويَّ، فخرَجَا فتلقَّيَا"، أي: قابَلَا "رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورحَّبَا" بقُدومِه إليهم، "ووضَعَا له قطيفةً كانت عندنا زُبيريَّةً"، أي: ضَخمةً، "فقعَدَ عليها، ثمَّ قال أبي لأُمِّي: هاتِ طعامَكِ، فجاءت بقَصعةٍ" وهي إناءٌ كبيرٌ مِن فَخَّارٍ أو مَعدنٍ، "فيها دقيقٌ قد عصَدَتْهُ بماءٍ ومِلْحٍ"، أي: عجنَتْه بماءٍ ومِلْحٍ، وأنضجَتْه وأَعدَّتْه للطَّعامِ، "فوضعَتْه بين يديْ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال: خُذوا باسمِ اللهِ مِن جَوانبِها"، أي: كُلوا مِن حَافَاتِ القَصعةِ، "وذَروا ذِرْوتَها"، أي: اتْرُكوا أعلاها وذِرْوتَها؛ "فإنَّ البركةَ فيها"، أي: تَنزِلُ البركةُ مِن عندِ اللهِ على رأْسِ الطَّعامِ وأعاليهِ، ثمَّ تَنحدِرُ إلى جوانبِه، فيأخُذُ كلُّ واحدٍ نَصيبَه منها، بخِلافِ ما إذا أُكِلَ مِن أعْلاهَا، انقطَعَتِ البرَكةُ مِن أسفَلِهَا، مع ما في الأكلِ مِن الجوانبِ مِن الأدبِ ما لا يَجعَلُ النَّاسَ يَشمئزُّون ويَنفِرون مِن الطَّعامِ، "فأكَلَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأكَلْنا معه، وفضَلَ منها فَضلةٌ"، أي: بقِيَ منها بقيَّةٌ، "ثمَّ قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اللَّهُمَّ اغفِرْ لهم"، أي: ذُنوبَهم، "وارْحَمْهم"، أي: وأنزِلْ عليهم مِن رَحمتِك، "وبارِكْ عليهم، ووسِّعْ عليهم في أرزاقِهم"، أي: وأنْزِلِ البركةَ والسَّعةَ عليهم وكثِّرْ أرزاقَهم.
وفي الحديثِ: بَيانُ حُبِّ الصَّحابةِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وإيثارِه بالطَّعامِ والدَّعوةِ إليه.
وفيه: بَيانُ آدابِ الطَّعامِ، وأنَّ الجَماعةَ يأكُلون مِن جوانبِ الطَّعامِ؛ لإبقاءِ البركةِ حتَّى نِهايةِ الطَّعامِ .