باب حج النساء

بطاقات دعوية

باب حج النساء

عن إبراهيم (بن عبد الرحمن بن عوف): أذن عمر رضي الله عنه لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر حجة حجها، فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن

كان عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه شَديدًا في الحقِّ، ولا يَخافُ في اللهِ لَومةَ لائمٍ، وإذا ظهَرَ الحقُّ في غَيرِ ما يَرى عاد إليه مِن فَورِه.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التابعيُّ إبراهيمُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ أنَّ أميرَ المؤمنينَ عمَرَ بنَ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه أذِنَ لأزواجِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالحجِّ في آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا، حيث كان عمرُ بنُ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه لا يَسمَحُ لهن بالحجِّ بعْدَ أنْ أصبَحَ خَليفةَ المُسلِمينَ؛ اعتمادًا على قولِه تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33]، وكان يرَى تَحريمَ السَّفرِ عليهنَّ أولًا، ثمَّ ظهَرَ له الجوازُ، فأذِن لهنَّ في آخِرِ خِلافتِه، فخرَجْنَ للحجِّ إلَّا أمَّ المؤمنينَ زَينبَ بنتَ جَحشٍ رَضيَ اللهُ عنها، وأمَّ المؤمنينَ سَوْدةَ بنتَ زَمعةَ رَضيَ اللهُ عنها، فكان نِساءُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَحجُجْنَ إلَّا هما؛ فقد فقالتَا: «لا تُحرِّكُنا دابَّةٌ بعْدَ قَولِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هذه، ثُمَّ ظُهورَ الحُصْرِ»، كما جاء في مُسنَدِ أحمَدَ. والحُصرُ هي ما يُنسَجُ مِن جَريدٍ وما شابَهَ ليُبسَطَ ويُفرَشَ في البيتِ. والمعْنى المرادُ: أنَّ هذه حَجَّةُ الفَريضةِ، وبعْدَها يَلزَمْنَ بُيوتَهنَّ، ويَجلِسْنَ على ظُهورِ الحَصيرِ المفروشِ في بُيوتِهنَّ ولا يَخرُجْنَ، وقد تَأوَّلَت بَعضُ أمَّهاتِ المؤمنينَ أنَّ المرادَ بالحديثِ أنَّه لا يَجِبُ عليهنَّ غيرُ تلك الحَجَّةِ، ولكنْ ما زاد فهو تَطوُّعٌ، ويُؤيِّدُ ذلك قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في صَحيحِ البخاريِّ مِن حَديثِ أمِّ المؤمنينَ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها: «لَكُنَّ أفضَلُ الجِهادِ؛ حَجٌّ مَبرورٌ».
وقد أرسَلَ معهنَّ عمرُ رَضيَ اللهُ عنه لمَّا سَمَحَ لهنَّ بالحجِّ عثمانَ بنَ عفَّانَ وعبدَ الرَّحمنِ بنَ عوفٍ رَضيَ اللهُ عنهما، وكان معهنَّ نِسوةٌ ثِقاتٌ، فقُمْنَ مَقامَ المَحرَمِ، أو أنَّ كلَّ الرِّجالِ مَحرَمٌ لهنَّ؛ لأنَّهنَّ أمَّهاتِ المؤمنينَ، وكان عُثمانُ يُنادي: «ألَّا يَدْنوَ منهنَّ أحدٌ، ولا يَنظُرَ إليهنَّ إلَّا مدَّ البصَرِ وهُنَّ في الهوادِجِ على الإبلِ»، كما في السُّننِ الكَبيرِ للبَيهقيِّ.