باب ذكر الفتن ودلائلها

باب ذكر الفتن ودلائلها

حدثنا يحيى بن عثمان بن سعيد الحمصى حدثنا أبو المغيرة حدثنى عبد الله بن سالم حدثنى العلاء بن عتبة عن عمير بن هانئ العنسى قال سمعت عبد الله بن عمر يقول كنا قعودا عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكر الفتن فأكثر فى ذكرها حتى ذكر فتنة الأحلاس فقال قائل يا رسول الله وما فتنة الأحلاس قال « هى هرب وحرب ثم فتنة السراء دخنها من تحت قدمى رجل من أهل بيتى يزعم أنه منى وليس منى وإنما أوليائى المتقون ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحدا من هذه الأمة إلا لطمته لطمة فإذا قيل انقضت تمادت يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسى كافرا حتى يصير الناس إلى فسطاطين فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه فإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من يومه أو من غده ».

كان النبي صلى الله عليه وسلم يخبر أصحابه رضي الله عنهم بأزمان الفتن وما بها؛ حتى يحذروها ويحذروا منها، ويكون رأيهم راشدا موفقا
وفي هذا الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذكر الفتن بين أصحابه حتى أكثر الكلام والتبيين فيها، كما أخبر ابن عمر رضي الله عنهما -كما عند أبي داود-: "فتنة الأحلاس؟" والأحلاس جمع حلس: وهو الكساء الذي يلي ظهر البعير، وقيل: سميت بذلك لدوامها وطول بقائها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هي هرب وحرب"، أي: يكون الناس في تلك الفتنة في بعضهم فرار من قتال وعداوة، وبين بعضهم حرب وقتال حتى تذهب المال والولد
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فتنة السراء" وهي تلك الفتنة التي تلي فتنة الأحلاس، ويكون سبب وقوعها البطر، وأشر النعمة، وكثرة المعاصي مع كثرة التنعم، وما بالناس من الصحة والرخاء، "دخنها"، أي: مبدؤها، "من تحت قدمي رجل من أهل بيتي، يزعم أنه مني، وليس مني، وإنما أوليائي المتقون"، أي: إن الذي سيسعى في إثارتها رجل يمتد نسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم من نسبه هذا؛ لأن الصلة التي بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المسلمين هي تقوى الله عز وجل
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع"، أي: يجتمعون على بيعة رجل ليس أهلا لتلك البيعة، فهي مثلها مثل الورك الذي لا يستقيم على ضلع؛ لثقل الورك عن الضلع.
ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الفتنة التي تليها فقال: "فتنة الدهيماء"، أي: الفتنة السوداء المظلمة، "لا تدع أحدا من هذه الأمة إلا لطمته لطمة"، وهذا كناية عن شدتها، وضررها، وشمولها لكل من شهدها، واللطم: الضرب على الوجه، "فإذا قيل: انقضت تمادت"، أي: كلما ظن الناس أنها انتهت استمرت وعظمت، "يصبح الرجل فيها مؤمنا، ويمسي كافرا"؛ وذلك لهولها وعظمها، فتحتار معها عقول الرجال، "حتى يصير الناس إلى فسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه"، أي: حتى ينقسم الناس في تلك الفتنة إلى فريقين: فريق إيمان خالص، وفريق نفاق خالص. والفسطاط: الخيمة. "فإذا كان ذاكم"، أي: فإذا ظهر فيكم ذلك، "فانتظروا الدجال من يومه أو غده"، أي: إنها علامة ظهور الدجال
وفي الحديث: علامة من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم
وفيه: التحذير من الإيمان الذي يشوبه النفاق