باب سقاية الحاج
بطاقات دعوية
عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - جاءَ إلى السِّقايةِ فاستَسقى فقال العباسُ: يا فضلُ! اذهبْ إلى أُمِّكَ، فأْتِ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بشرابٍ من عندها، فقال: "اسقِني". قال: يا رسولَ الله! إنهم يجعلون أيدِيَهم فيهِ، قالَ: "اسقِني". فشَربَ منهُ، ثم أَتَى زمزَمَ وهمْ يَسقُون ويَعمَلُون فيها، فقال:
"اعملُوا؛ فإِنكم على عملٍ صالحٍ". ثم قال:
"لوْلا أنْ تُغلبُوا لنزَلتُ حتى أضَعَ الحبلَ على هذهِ -يعني عاتقَهُ- وأشار إلى عاتقه".
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِثالًا لِلتَّواضعِ ومُشارَكةِ النَّاسِ في حَياتِهم، والعَيشِ مِثلَهم، وتَركِ تَمييزِ نَفْسِه بأمْرٍ أو شَيءٍ لم يُميِّزْه اللهُ به.
وفي هذا الحَديثِ يَروي عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَجَّةِ الوَداعِ، وكانتْ في العامِ العاشرِ مِنَ الهِجرةِ، وبَعدَ أنْ طافَ طَوافَ الإفاضةِ، جاءَ إلى مكانِ السِّقايةِ التي يُستَسقى بها الماءُ في المَوسِمِ وغيرِه، حَولَ بِئرِ زَمزَمَ، وطلَبَ الشَّرابَ مِن عَمِّه العبَّاسِ، ولِأنَّ النَّاسَ تُدخِلُ أيدِيَها في أحواضِ السِّقايةِ طلَبَ العبَّاسُ مِن وَلدِه الفَضلِ أنْ يَذهَبَ إلى أُمِّه، أُمِّ الفَضلِ، وهي لُبابةُ بِنتُ الحارِثِ الهِلاليَّةُ، فيَأتيَ بشَرابٍ مِن عِندِها لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فكَرَّرَ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ طَلَبَه بأنْ يَشرَبَ الماءَ مِنَ السِّقايةِ المَوجودةِ التي يَشرَبُ منها النَّاسُ، فناوَلَه العبَّاسُ رَضيَ اللهُ عنه، فشَرِبَ.
ثم أتى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بِئرَ زَمزَمَ وهُم يَسقُونَ النَّاسَ ويَعمَلونَ فيها، فيَنزِحونَ منها الماءَ، ويَستخرِجونَه منها، ويَجعَلونَه في حِياضٍ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لهمُ: اعمَلوا؛ فإنَّكم على عَمَلٍ صالِحٍ، وهو سُقيَا الحَجيجِ، ثم قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لَولا أنْ يَجتمِعَ عليكمُ النَّاسُ إذا رَأوْني قد عَمِلتُه -لِرَغبَتِهم في الاقتِداءِ بي- فيَغلِبوكم بالمُكاثَرةِ؛ لقَصَدتُ أنْ أنزِلَ مِن دابَّتي وأضَعَ الحَبلَ على عاتِقي، وأستَقيَ الماءَ مِن زَمزَمَ وأسقيَ النَّاسَ، إلَّا أنِّي خَشِيتُ إنْ فَعَلتُ هذا أنْ يَرغَبَ في استِقاءِ الماءِ خَلقٌ كَثيرٌ؛ اتِّباعًا لفِعلِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. والعاتِقُ: هو ما كان مِن المَنكِبِ وأوَّلِ العُنُقِ.
وفي الحَديثِ: رَدُّ ما يُعرَضُ على المَرءِ مِن الإكرامِ إذا عارَضَتْه مَصلحةٌ أوْلى منه، كما فعَلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِمَصلحةِ التَّواضُعِ التي ظَهَرَتْ له.
وفيه: التَّرغيبُ في سَقيِ الماءِ، خُصوصًا ماءَ زَمزَمَ.