باب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم12
سنن الترمذى
حدثنا هناد قال: أخبرنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: " توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندنا شطر من شعير فأكلنا منه ما شاء الله، ثم قلت للجارية: كيليه، فكالته فلم يلبث أن فني " قالت: «فلو كنا تركناه لأكلنا منه أكثر من ذلك»: " هذا حديث صحيح ومعنى قولها شطر: تعني شيئا "
ان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَنْهى عن التَّصاويرِ، ويأمُرُ بإزالتِها أو تَغييرِ هيئةِ الصُّورةِ؛ لِتَخرُجَ عن ذلك المسمَّى، وفي هذا الحديثِ تقولُ عائشةُ رضِيَ اللهُ عَنها: "كان لنا قِرَامُ سِترٍ"، والقِرامُ: سِترٌ رقيقٌ مِن صوفٍ ذو ألوانٍ، وقيل: هو السِّترُ الغليظُ، وقيل: السِّترُ الرَّقيقُ وراءَ السِّترِ الغَليظِ، وقيل: السِّترُ المنقوشُ، وقيل: هو مُطلَقُ السِّترِ، "فيه تَماثيلُ على بابي"، أي: كان يُسدِلُ على البابِ ساتِرًا لِمَا بداخلِ الحُجرِة، به صُورٌ أو نُقوشٌ، وقيل: به صورُ حيَواناتٍ، "فرآه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقال: انزِعيه؛ فإنَّه يُذكِّرُني الدُّنيا"، أي: لَمَّا رآه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أمر بإزالتِه، وعلَّل ذلك لِمَا فيه من إلهاءٍ عن الآخرةِ، وتذكيرٍ بالدُّنيا، قالت عائشةُ رضِيَ اللهُ عَنها: "وكان لنا سَمَلُ قَطيفةٍ"، أي: لنا كِساءٌ مِن قَطيفةٍ خَلَقٌ، وهو البالي، "تقولُ"، أي: عائشةُ: "عَلَمُها مِن حَريرٍ، كنَّا نَلبَسُها"، أي: صِفةُ ذلك الكِساءِ به رَسْمٌ مصنوعٌ مِن حَريرٍ كانت تُلبَسُ، وهي صالحةٌ لذلك.
قيل: إنَّ هذا الحديثَ محمولٌ على أنَّه كان قبلَ تحريمِ اتِّخاذِ ما فيه صورةٌ؛ فلهذا كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَدخُلُ ويَراه، ولا يُنكِرُه. وقيل: بل ورَد في روايةٍ أنَّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم هتَكه، فعن عائشةَ رضِيَ اللهُ عَنها: "أنَّها كانت اتَّخذَت على سَهوةٍ لها سِترًا فيه تَماثيلُ، فهتَكه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم".
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن المنكَرِ للأهلِ.
وفيه: بيانُ رِفقِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في مُعامَلتِه.
وفيه: بيانُ حِرصِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم على تجنُّبِ كلِّ ما يَشغَلُ عن ذِكرِ اللهِ وتَعظيمِه.