باب فضل المدينة
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن نمير وأبو أسامة، عن عبيد الله بن عمر، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الإيمان ليأرز إلى المدينة، كما تأرز الحية إلى جحرها" (1)
المدينةُ النَّبويَّةُ بُقعةٌ مِن الأرضِ مُبارَكةٌ، طَهَّرَها اللهُ مِن الأدناسِ، واختارَها لتَكونَ مُهاجَرَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وحاضنةَ دَعوتِه، وأساسَ دَولتِه.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن بَعضِ الفَضائلِ التي امتازَتْ بها المدينةُ عن غَيرِها، فيَذكُرُ أنَّ الإيمانَ يَأْرِزُ إلى المَدِينةِ كما تَأرِزُ الحَيَّةُ إلى جُحْرِها، أي: كما تَجمَّعَ أهلُ الإيمانِ في المدينةِ أرضِ الهِجرةِ الأُولى، فما تَزالُ كذلك يَأْوي إليها المؤمنونَ ويَجتَمِعون إذا هاجَهُم وأخافَهُم شَيءٌ على دِينِهم، ويَنتشِرُ بها الإيمانُ، كما خرَجَ منها أوَّلًا، وذلك كما في الحيَّةِ؛ تَنتشِرُ مِن جُحرِها، ثمَّ إذا راعَها شَيءٌ رجَعَت إلى جُحرِها. وقَريبٌ مِن هذا الحديثِ قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في صَحيحِ مُسلمٍ مِن حَديثِ ابنِ عمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما: «إنَّ الإسلامَ بدَأَ غرَيبًا، وسيَعودُ غرَيبًا كما بدَأَ، وهو يَأْرِزُ بيْن المسجِدينِ كما تَأْرِزُ الحيَّةُ إلى جُحرِها»، والمرادُ بالمَسجدينِ: المَسجِدُ الحرامُ، ومَسجِدُ المدينةِ، حيثُ خرَجَ وَسْطَ الجَهلِ، وطرَحَ عاداتِ الجاهليَّةِ، فاسْتَغرَبَه النَّاسُ، ثمَّ يَرجِعُ بعْدَ انتشارِه كما كان عليه في أوَّلِه، وهذا إشارةٌ إلى أنَّ المؤمنينَ يَفرُّون إلى مكَّةَ والمدينةِ؛ وَقايةً مِن الفِتنِ، وخَوفًا على الدِّينِ، وهو أيضًا إشارةٌ إلى تَضاؤُلِ رُقعةِ الإسلامِ، ويكونُ ذلك في آخِرِ الزَّمانِ. وقيل: وهذا شاملٌ لجَميعِ الأزمنةِ؛ أمَّا زَمَنُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فللتَّعلُّمِ منه، وأمَّا زمَنُ الصَّحابةِ والتابعينَ وتابعِيهم فللاقْتِداءِ بهَدْيِهم، وأمَّا بعْدَهم فللصَّلاةِ في مَسجدِه الشَّريفِ.
وفيه: علَمٌ مِن أعلامِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.