باب في الفتن وصفاتها 1
بطاقات دعوية
عن أبي إدريس الخولاني كان يقول قال حذيفة بن اليمان والله إني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة وما بي إلا أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسر إلي في ذلك شيئا لم يحدثه غيري ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو يحدث مجلسا أنا فيه عن الفتن فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يعد الفتن منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئا ومنهن فتن كرياح الصيف منها صغار ومنها كبار قال حذيفة فذهب أولئك الرهط كلهم غيري. (م 8
كانَ حُذَيفةُ بنُ اليَمانِ رَضيَ اللهُ عنهما صاحِبَ سرِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان كَثيرَ السُّؤالِ عن الفِتنِ والشُّرورِ الَّتي ستَقَعُ على امتدادِ الزَّمانِ وبعْدَ عَصرِ النُّبوَّةِ؛ ليَعرِفَ المخرَجَ منها؛ مَخافةَ أنْ تُدرِكَه، فيكونَ تَصرُّفُه فيها على الوجهِ الَّذي يُبيِّنُه له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفي هذا يُخبِرُ حُذيفَةُ رَضيَ اللهُ عنه: «واللهِ، إنِّي لأعلَمُ النَّاسِ بكلِّ فِتنَةٍ هيَ كائِنَةٌ» أي: الَّتي ستَحدُثُ مُستَقَبلًا، مِن الوَقتِ الَّذي يتكلَّمُ فيه إلى وقتِ قيامِ السَّاعَةِ، ثمَّ بَيَّن أنَّه ليسَ له سَبيلٌ إلى عِلمِ ذلك إلَّا بما أسَرَّه به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ولم يَتحدَّثْ بهِ إلى أحدٍ غيرِهِ، وذلك الأمرُ الَّذي أسَرَّ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إليه فلنْ يُحدِّثَ به؛ لوُجوبِ كِتمانِه عليه، وإنَّما سيُخبِرُهم بما حَدَّثَ به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مَجلِسٍ في جَماعةٍ مِن أصحابهِ، وكان حُذَيفةُ رَضيَ اللهُ عنه حاضرًا معهم، وكانَ الكلامُ في هذا المجلِسِ عن بعضِ تلك الفِتَنِ، والَّتي ربَّما كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ أسَرَّ بها لحُذَيفةَ رَضيَ اللهُ عنه، ثمَّ حَدَّث بها أصحابَه رَضيَ اللهُ عنهم بعْدَ ذلك، فقالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يَعُدُّ ويُحْصي الفِتَنَ الواقعةَ بيْنَ يَدَي السَّاعةِ: «مِنهنَّ ثلاثٌ لا يَكَدْنَ يذَرْنَ شيئًا» أي: إنَّ تلكَ الفِتنَ تَصِلُ وتُصِيبُ أغلَبَ أهلِ الأرضِ ومَخلوقاتِها، وقولُه: «ومِنهنَّ فِتَنٌ كَرِياحِ الصَّيفِ»، أي: فيها بعضُ الشِّدَّةِ، ولعلَّ التَّشبيهَ بها في كَونِها مُؤذِيةً؛ لأنَّ رِياحَ الصَّيفِ حارَّةٌ في الغالبِ، وتَعصِفُ بالرِّمالِ وتُحرِقُ النَّباتَ، «مِنها صِغارٌ ومِنها كِبارٌ»، أي: إنَّ تلكَ الفِتَنَ مِنها الصَّغيرةُ القَليلةُ في ضَرَرهِا أو تَصِيبُ القليلَ، ومِنها الكَبيرَةُ بكَثرةِ ضَررِها أو بكَثرةِ مَن تُصيبُه
ثمَّ قالَ حُذَيفةُ رَضيَ اللهُ عنهما: «فذهَبَ أُولئكَ الرَّهطُ كلُّهم غَيرِي»، يَعني أنَّ الصَّحابةَ الَّذين سَمِعُوا هذا الحَديثَ معي مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ماتوا كلُّهم إلَّا هو؛ فلذلك قلْتُ: «إنِّي لأَعْلَمُ النَّاسِ بكُلِّ فِتْنَةٍ هي كَائِنَةٌ»، والرَّهطُ: الجماعةُ دونَ العَشرةِ، وقيلَ: دُونَ الأَربعِينَ
وفي الحديثِ: فَضلٌ ومَنقبةٌ عَظيمةٌ للصَّحابيِّ الجليلِ حُذَيفةَ بنِ اليَمانِ رَضيَ اللهُ عنهما
وفيه: أنَّ الفِتنَ الَّتي تُصيبُ المسْلِمين تَتفاوَتُ مَخاطِرُها بيْنَ الصِّغَرِ والكِبَرِ على المسْلِمين
/ 172)