باب في قوله - صلى الله عليه وسلم - فإني أومن به أنا وأبو بكر وعمر
بطاقات دعوية
- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما رجل يسوق بقرة له قد حمل عليها التفتت إليه البقرة فقالت إني لم أخلق لهذا ولكني إنما خلقت للحرث فقال الناس سبحان الله تعجبا وفزعا أبقرة تكلم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإني أومن به أنا (3) وأبو بكر وعمر قال أبو هريرة فقال (1) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينا راع في غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة فطلبه الراعي حتى استنقذها منه فالتفت إليه الذئب فقال له من لها يوم السبع يوم ليس لها راع غيري فقال الناس سبحان الله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإني أومن بذلك أنا وأبو بكر وعمر. (م 7/ 111)
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقُصُّ على أصحابِه مِن أخبارِ الأُمَمِ السَّابقةِ وما فيها مِن مُعجِزاتٍ؛ لأخْذِ العِظَةِ والعِبرةِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُنا الصَّادقُ المَصدوقُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن حادِثتينِ خارِقتينِ للعادةِ وَقَعَتا في الأزمانِ الماضيةِ؛ أمَّا الأُولى: فبيْنما كان رجُلٌ راكبًا على بَقَرةٍ، وإذا بالبقرةِ تَتكلَّمُ حَقيقةً، وتقولُ بلُغةِ النَّاسِ ولِسانِ البشَرِ: كيف تَركَبُني مع أنَّ اللهَ لم يَخلُقْني للرُّكوبِ، وإنَّما خَلَقني لحَرْثِ الأرضِ؟! وأمَّا الثَّانيةُ: فقدِ اختَطَف الذِّئبُ شاةً مِن الغنَمِ، فتَبِعها الرَّاعي ليَأخُذَها منه، فقال له الذِّئبُ: إنْ كُنتَ الآنَ قدْ حمَيْتَ هذه الشَّاةَ منِّي، فسَيَأتي اليومُ الَّذي لا تَجِدُ فيه الغنَمُ راعيًا يَحمِيها مِن الذِّئابِ، وذلك قُرْبَ قِيامِ السَّاعةِ، وهو معْنى قولِه: «فقال الذِّئبُ: مَن لها يومَ السَّبُعِ؟» أي: مَن يَحمِيها منِّي في ذلك اليومِ الَّذي تَخلو فيه الأرضُ مِن البشَرِ، ولا يَبْقى فيها سِوى السِّباعِ، حيث تَخرَبُ البلادُ، ويَهلِكُ العِبادُ، ويَفنى البشَرُ، فلا يَبْقى للغَنَمِ راعٍ يَحمِيها مِن السِّباعِ والذِّئابِ.
وهكذا نطَقَتِ البقرةُ وتَكلَّمَ الذِّئبُ بإذنِ اللهِ وقُدرتِه، وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَعليقًا على ذلك: «آمَنْتُ به أنا، وأبو بكرٍ، وعمرُ»، أي: فأمَّا أنا وأبو بكرٍ وعمرُ فإنَّا قد صدَّقْنا بهاتينِ الحادثتينِ، وإنْ كانَتا مِن الأشياءِ الغريبةِ الخارقةِ للعادةِ، المُخالِفةِ للنُّظُمِ الكَونيَّةِ؛ لأنَّ الَّذي خلَقَ هذه النُّظمَ قادرٌ على خَرقِها، وإنَّما ذكَر صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أبا بَكرٍ وعمرَ مع أنَّهما غيُر حاضرينِ ثِقةً بهما؛ لعِلمِه بصِدقِ إيمانِهما، وقُوَّةِ يَقينِهما، وكَمالِ مَعرفتِهما بعَظيمِ سُلطانِ اللهِ وكَمالِ قُدرتِه.
وفي الحديثِ: عَلَمٌ مِن أعلامِ النُّبوَّةِ.
وفيه: فَضيلةٌ ظاهرةٌ لأبي بكرٍ وعمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما.
وفيه: أنَّ الدَّوابَّ لا تُستعمَلُ إلَّا فيما جَرَتِ العادةُ باستعمالِها فيه؛ لأنَّ اللهَ قدْ هيَّأ هذه الكائناتِ وسَخَّرها لِما خُلِقَت له، فإذا استُعمِلَتْ في غيرِ ما خُلِقَت له، كان ذلك ظُلمًا لها، وأنَّ البقرَ للحَرْثِ لا للرُّكوبِ.
وفيه: أنَّ مِن الإيمانِ التَّصديقَ بكلِّ ما أخبَرَ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُطلَقًا.