باب قوله: {وكلم الله موسى تكليما}

بطاقات دعوية

باب قوله: {وكلم الله موسى تكليما}
باب قوله: {وكلم الله موسى تكليما}

 عن شريك بن عبد الله أنه قال: سمعت ابن مالك يقول:
ليلة أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مسجد الكعبة، إنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه، وهو نائم (46) في المسجد الحرام، فقال أولهم: أيهم هو؟ (47) فقال أوسطهم: هو خيرهم، فقال آخرهم: خذوا خيرهم، فكانت تلك الليلة، فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه، و [النبي - صلى الله عليه وسلم - 4/ 168] تنام عينه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلموه حتى احتملوه، فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاه منهم جبريل، فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته، حتى فرغ من صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم بيده، حتى أنقى جوفه، ثم أتي بطست من ذهب، فيه تور من ذهب، محشوا إيمانا وحكمة، فحشا به صدره ولغاديده -يعني عروق حلقه-، ثم أطبقه. ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابا من أبوابها، فناداه أهل السماء: من هذا؟ فقال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: معي محمد، قال: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: فمرحبا به وأهلا، فيستبشر به أهل السماء، لا يعلم أهل السماء بما يريد الله به في الأرض حتى يعلمهم، فوجد في السماء الدنيا آدم، فقال له جبريل: هذا أبوك، فسلم عليه، فسلم عليه، ورد عليه آدم، فقال: مرحبا وأهلا يا بني، نعم الابن أنت، فإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطردان، فقال: ما هذان النهران يا جبريل؟ قال: هذان النيل والفرات، عنصرهما، ثم مضى به في السماء، فإذا هو بنهر آخر، عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فضرب يده فإذا هو مسك، قال: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك.
ثم عرج إلى السماء الثانية، فقالت الملائكة له مثل ما قالت له الأولى: من هذا؟ قال: جبريل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: وقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: مرحبا به وأهلا.
ثم عرج به إلى السماء الثالثة، وقالوا له مثل ما قالت الأولى والثانية.
ثم عرج به إلى الرابعة، فقالوا له مثل ذلك.


ثم عرج به إلى الخامسة، فقالوا له مثل ذلك.
ثم عرج به إلى السادسة، فقالوا له مثل ذلك.
ثم عرج به إلى السماء السابعة، فقالوا له مثل ذلك، كل سماء فيها أنبياء قد سماهم، فأوعيت منهم إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه، وإبراهيم في السادسة، وموسى في السابعة بتفضيل كلام الله، فقال موسى: رب لم أظن أن يرفع علي أحد.
ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة (48) فتدلى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله فيما أوحى خمسين صلاة على أمتك كل يوم وليلة.
ثم هبط حتى بلغ موسى، فاحتبسه موسى، فقال: يا محمد! ماذا عهد إليك ربك؟ قال: عهد إلي خمسين صلاة كل يوم وليلة، قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك، فارجع فليخفف عنك ربك وعنهم، فالتفت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جبريل، كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبريل أن: نعم إن شئت، فعلا به إلى الجبار، فقال: وهو مكانه (49): يا رب! خفف عنا؛ فإن أمتي لا تستطيع هذا، فوضع عنه عشر صلوات.
ثم رجع إلى موسى، فاحتبسه، فلم يزل يردده موسى إلى ربه، حتى صارت إلى خمس صلوات.
ثم احتبسه موسى عند الخمس، فقال: يا محمد! والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من هذا فضعفوا، فتركوه، فأمتك أضعف أجسادا، وقلوبا، وأبدانا، وأبصارا، وأسماعا، فارجع فليخفف عنك ربك، كل ذلك يلتفت لنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جبريل ليشير عليه، ولا يكره ذلك جبريل، فرفعه عند الخامسة، فقال: يا رب! إن أمتي ضعفاء، أجسادهم، وقلوبهم، وأسماعهم، وأبدانهم، فخفف عنا.
فقال الجبار: يا محمد! قال: لبيك وسعديك، قال: إنه لا يبدل القول لدي، كما فرضت عليك في أم الكتاب، قال: فكل حسنة بعشر أمثالها، فهي خمسون في أم الكتاب، وهي خمس عليك.
فرجع إلى موسى، فقال: كيف فعلت؟ فقال: خفف عنا، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها، قال موسى: قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه، ارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا موسى! قد والله استحييت من ربي مما اختلفت إليه، قال: فاهبط بسم الله".
قال: واستيقظ وهو في المسجد الحرام (50).

تَولَّى اللهُ سُبحانَه نَبيَّه بالحِفظِ والرِّعايةِ، والمؤانَسةِ، والمُواساةِ في الشَّدائدِ الَّتي قابَلَتْه في سَبيلِ الدَّعوةِ إلى اللهِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أنَسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه عن لَيلةِ أُسْريَ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن المَسجِدِ الحرامِ إلى بَيتِ المَقدِسِ، أنَّه جاء للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثَلاثةُ نفَرٍ مِنَ المَلائكةِ قبْلَ أنْ يُوحَى إليه، أي: قبْلَ أنْ يُكلِّفَه اللهُ عزَّ وجلَّ بالبَلاغِ، وهو نائمٌ في المَسجِدِ الحَرامِ -وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نائمًا بيْن اثنَينِ أو أكثرَ- فلمَّا أتَتْه المَلائكةُ ووقَفَت عندَه، تَساءلَ أوَّلُهم: أيُّ الثَّلاثةِ النَّائمينَ يكونُ مُحمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ فقال أوسَطُهم: هو خَيرُهم، يَعني النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقال آخِرُهم: خُذوا خَيرَهم للعُروجِ به إلى السَّماءِ، «فكانتْ تلك» القصَّةُ، ولم يقَعْ شَيءٌ آخَرُ مِثلُها حتَّى لَيلةِ الإسْراءِ، ولم يَرَهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى جاؤوا إليه لَيلةً أُخْرى بعْدَ أنْ أُوحِيَ إليه، والمُرادُ بها لَيلةُ الإسْراءِ، فيما يَرى قلْبُه، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نائمةٌ عَيْناه ولا يَنامُ قلْبُه، وكذلك الأنْبياءُ؛ تَنامُ أعينُهم ولا تَنامُ قُلوبُهم، فتَولَّاه جِبريلُ عليه السَّلامُ -وهو الملَكُ الموكَّلُ بالوَحيِ- فقام بشأْنِه، وتوَلَّى إجْراءَ ما جَرى له، ثمَّ عَرَج به إلى السَّماءِ، وفي رِوايةٍ أُخْرى عندَ البُخاريِّ: «فلمْ يُكلِّموه حتَّى احتَمَلوه، فوَضَعوه عندَ بِئرِ زَمزمَ، فتَولَّاه منهم جِبريلُ، فشَقَّ جِبريلُ ما بيْنَ نَحْرِه إلى لَبَّتِه، حتَّى فرَغَ مِن صَدرِه وجَوفِه، فغسَلَه مِن ماءِ زَمزَمَ بيَدِه، حتَّى أَنْقى جَوفَه، ثمَّ أُتِيَ بطَسْتٍ مِن ذَهبٍ، فيه تَوْرٌ مِن ذَهبٍ، مَحشوٌّ إيمانًا وحِكمةً، فحُشِيَ به صَدرُه ولَغاديدُه -يَعْني عُروقَ حَلْقِه- ثمَّ أطبَقَه، ثُمَّ عرَجَ به إلى السَّماءِ الدُّنْيا»، وهذا مِن إعْدادِه للرِّحْلةِ المُبارَكةِ؛ الإسْراءِ والمِعراجِ.