باب: لا طاعة في معصية الله1
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا محمد بن عمرو، عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث علقمة بن مجزز على بعث، وأنا فيهم، فلما انتهى إلى رأس غزاته، أو كان ببعض الطريق، استأذنته طائفة من الجيش فأذن لهم، وأمر عليهم عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي، فكنت فيمن غزا معه، فلما كان ببعض الطريق، أوقد القوم نارا ليصطلوا أو ليصطنعوا عليها صنيعا، فقال عبد الله -وكانت فيه دعابة-: أليس لي عليكم السمع والطاعة؟ قالوا: بلى: قال: فما أنا بآمركم بشيء إلا صنعتموه؟ قالوا: نعم. قال: فإني أعزم عليكم إلا تواثبتم في هذه النار. فقام ناس فتحجزوا، فلما ظن أنهم واثبون، قال: أمسكوا على أنفسكم، فإنما كنت أمزح معكم.
فلما قدمنا ذكروا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أمركم منهم بمعصية الله، فلا تطيعوه"
أمَر الشَّرعُ الحنيفُ بطاعةِ وُلاةِ الأمورِ في المعروفِ، وليس لأحَدٍ طاعةٌ على أحدٍ في معصيةِ اللهِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبرُ أبو سعيدٍ الخُدْريُّ رَضِي اللهُ عَنه: "أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بعَث عَلْقمةَ بنَ مُجزِّزٍ على بَعْثٍ"، أي: جعَلَه أميرًا على جيشٍ أو مَجموعةٍ مِن المحارِبين، "وأنا فيهم"، أي: وأبو سعيدٍ الخُدريُّ رَضِي اللهُ عَنه أحَدُ هؤلاءِ المبعوثينَ تحتَ إمرَةِ عَلقَمةَ، قال: "فلمَّا انتَهى إلى رأسِ غَزاتِه أو كان ببَعضِ الطَّريقِ". وفي روايةٍ: "رَأْسِ مَغْزانا"، قال أبو سعيدٍ رَضِي اللهُ عَنه: "استَأذَنَتْه طائفةٌ"، أي: مجموعةٌ، "مِن الجيشِ، فأَذِن لهم وأمَّر عليهم عبدَ اللهِ بنَ حُذافةَ بنِ قيسٍ السَّهميَّ"، وفي روايةٍ: "فبَعَث سَرِيَّةً، واستَعمَل عليهم عبدَ اللهِ بنَ حُذافةَ السَّهميَّ"، قال أبو سعيدٍ رَضِي اللهُ عَنه: "فكنتُ فيمَن غَزا معَه"، أي: خرَج مع ابنِ حُذافةَ رَضِي اللهُ عَنه، "فلمَّا كان ببَعضِ الطَّريقِ أوقَدَ القومُ نارًا لِيَصطَلوا"، أي: لِيَقُوا أنفُسَهم مِن البَردِ بالتَّدفئةِ، "أو لِيَصنَعوا عليها صَنيعًا"، أي: مِن طعامٍ وغيرِه، "فقال عبدُ اللهِ، وكانتْ فيه دُعابةٌ"، أي: كان فيه حُبٌّ للمِزاحِ والمزحة: "ألَيسَ لي عَليكُم السَّمعُ والطَّاعةُ؟!"، أي: إنَّ مِن حقِّ الإمامِ على المأمومِ السَّمعُ والطَّاعةُ، قال الَّذين كانوا معَه: "بَلى"، أي: أقَرُّوه على هذا الحقِّ، قال ابنُ حُذافةَ رَضِي اللهُ عَنه: "فمَا أنا بآمِرِكم بشيءٍ إلَّا صنَعتُموه؟!"، أي: لو أنِّي أمَرتُكم بفِعلِ أيِّ شيءٍ أنفَذْتُموه؟ قالوا: "نعَم"، قال ابنُ حُذافةَ: "فإنِّي أعزِمُ عليكُم"، أي: آمُرُكم "إلَّا تَواثَبتُم"، أي: قفَزتُم ودخَلتُم "في هذه النَّارِ"، وكان هذا على سبيلِ الدُّعابةِ، وليس الحَقيقةِ، "فقام ناسٌ فتَحجَّزوا"، أي: أعَدُّوا أنفُسَهم للوُثوبِ، واجتَمَعوا لذلك؛ ظنًّا مِنهم أنَّ هذا مِن السَّمعِ والطَّاعةِ اللَّازمةِ للإمامِ، قال أبو سعيدٍ رَضِي اللهُ عَنه: "فلمَّا ظنَّ أنَّهم واثِبون"، أي: فلمَّا تأكَّد وتيَقَّن أنَّهم سيَقفِزون في النَّارِ طاعةً له، قال ابنُ حُذافةَ رَضِي اللهُ عَنه: "أمسِكوا على أنفُسِكم"، أي: توَقَّفوا وامتَنِعوا، "فإنَّما كنتُ أمزَحُ معَكم"، أي: كان هذا مِن قَبيلِ الدُّعابةِ، وفي الصَّحيحينِ مِن حديثِ عليٍّ رَضِي اللهُ عَنه: "فلمَّا همُّوا بالدُّخولِ، فقام يَنظُرُ بعضُهم إلى بعضٍ، قال بعضُهم: إنَّما تَبِعْنا النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فِرارًا مِن النَّارِ أفنُدخِلُها؟!".
قال أبو سَعيدٍ رَضِي اللهُ عَنه: "فلمَّا قَدِمْنا"، أي: رجَعوا إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "ذكَروا ذلك للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: ما أمَرَهم به ابنُ حُذافةَ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "مَن أمَرَكم مِنهم بمَعصيةِ اللهِ فلا تُطيعوه"، وفي روايةِ الصَّحيحَين مِن حديثِ عليٍّ رَضِي اللهُ عَنه: "فقال للَّذين أرادوا أن يَدخُلوها: لو دَخَلوها لم يَزالوا فيها إلى يومِ القيامةِ، وقال للآخَرينَ: لا طاعةَ في معصيةٍ، إنَّما الطَّاعةُ في المعروفِ".