باب لباس رسول الله ﷺ4
سنن ابن ماجه
حدثنا هشام بن عمار، حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه
عن سهل بن سعد الساعدي: أن امرأة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببردة -قال: وما البردة؟ قال: الشملة- قالت: يا رسول الله نسجت هذه بيدي لأكسوكها. فأخذها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محتاجا إليها، فخرج علينا فيها، وإنها لإزاره، فجاء فلان بن فلان، رجل سماه يومئذ- فقال: يا رسول الله، ما أحسن هذه البردة! اكسنيها. قال: "نعم"، فلما دخل طواها وأرسل بها إليه، فقال له القوم: والله ما أحسنت، كسيها النبي محتاجا إليها، ثم سألته إياها! وقد علمت أنه لا يرد سائلا. فقال: إني والله ما سألته إياها لألبسها، ولكن سألته إياها لتكون كفني.
فقال سهل: فكانت كفنه يوم مات (1)
كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كريمًا، وكان لا يَرُدُّ سائلًا ما استطاعَ، وكان لا يَسألُه أحدٌ شَيئًا إلَّا أعطاهُ.
وفي هذا الحَديثِ يَروي سَهْلُ بنُ سعدٍ السَّاعِديُّ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ امرأةً جاءَتْ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى الله علَيه وسلَّم بِبُردةٍ مَنسوجةٍ، فيها حاشيتُها، أي: بِكساءٍ مخطَّطٍ له طَرَفٌ يُسمَّى شَمْلةً؛ لأنَّه يُلتحَفُ به، وكان ذلك هديَّةً مِن المرأةِ نَسَجَتْها بيدَيها للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقَبِلَها منها؛ لأنَّه محتاجٌ إليها، ثمَّ لَبِسها، ثم خرَجَ إلى أصحابِه مُؤتَزِرًا بها قد جعَلَها إزارًا يغطِّي النِّصفَ الأسفَلَ مِن جسَدِه، فأُعْجِب بها رجُلٌ مِن الصَّحابةِ واستَحْسَنها، وطَلَبها مِن النبيِّ صلَّى الله علَيه وسلَّم لنفْسِه، فقال القَومُ له: ما أحْسَنتَ وما أصَبْتَ في طَلَبِك لها مع عِلمِك بحاجتِه صلَّى الله علَيه وسلَّم إلَيها! فقال الرجُلُ مُقْسِمًا: واللهِ ما سَألتُه لِألبَسَها، وإنَّما سألتُه لِتَكونَ كَفَني بعْدَ مَماتي، فكأنَّه رجَا بَرَكتَها حينَ لَبِسَها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبالفعل كان هذا الثَّوبُ كَفنَه الَّذي دُفِن فيه كما قال.
وفي الحديثِ: حُسنُ خُلُقِ النبيِّ صلَّى الله علَيه وسلَّم، وسَعةُ جُودِه، وقَبولُه الهديَّةَ.
وفيه: مَشروعيَّةُ الإنكارِ عِندَ مُخالَفةِ الأدبِ ظاهِرًا.
وفيه: مشروعيَّةُ إعدادِ الكفنِ في الحياةِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ إعدادِ الشَّيءِ للأمْرِ المؤكَّدِ حُدوثُه قبْلَ وقتِ الحاجةِ إليه.