باب لحوم الحمر الأهلية3

سنن ابن ماجه

باب لحوم الحمر الأهلية3

حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا علي بن مسهر، عن عاصم، عن الشعبي
عن البراء بن عازب، قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نلقي لحوم الحمر الأهلية نيئة ونضيجة، ثم لم يأمرنا به بعد (2)

شَرَعَ اللهُ لِلعِبادِ ما فيه مَصلَحَتُهم، وما يَنفَعُهم في دِينِهم ودُنياهم، ومِن ذلك أنَّه سُبحانَه أحَلَّ لهمُ الطَّيِّباتِ مِنَ الطَّعامِ، وحَرَّمَ عليهم ما فيه ضَرَرٌ لهم، وقد جَرَى في غَزوةِ خَيبَرَ كَثيرٌ مِنَ الأحداثِ التي نَزَلتْ فيها أحكامٌ تَتعَلَّقُ بالحَلالِ والحَرامِ مِنَ المَأْكَلِ والمَشرَبِ والمَغنَمِ... وغَيرِ ذلك.
وفي هذا الحَديثِ يَروي عَبدُ اللهِ بنُ أبي أوْفى رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه أصابَتِ المُسلِمينَ مَجاعةٌ -أي: جُوعٌ شَديدٌ- بسَبَبِ قِلَّةِ الطَّعامِ، وكان ذلك في غَزوةِ خَيبَرَ سَنةَ سَبعٍ مِنَ الهِجرةِ، وكانت خَيبَرُ قَريةً يَسكُنُها اليَهودُ، تَبعُدُ عنِ المَدينةِ (153 كم) مِن جِهةِ الشَّمالِ على طَريقِ الشَّامِ، وقد تَجَمَّعَ اليَهودُ بها، فأرادَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُؤمِّنَ المَدينةَ مِن شَرِّهم.
فلَمَّا كانَ يَومُ خَيبَرَ وفُتِحتِ الحُصونُ، ودَخَلَ المُجاهِدونَ القَريةَ، أمْسَكوا بالحُمُرِ الأهليَّةِ المُستأنَسةِ التي يَستَعمِلُها الإنسانُ في حاجَتِه، فذَبَحوها بالسِّكِّينِ في مَنحَرِها وطَبَخوها، دُونَ إذْنٍ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلَمَّا غَلَتِ القُدورُ بما فيها مِنَ اللَّحمِ، نادى مُنادي رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ -وهو أبو طَلحةَ- "أَكْفِئوا"، أي: فأمَرَهم أنْ يُفرِغوا القُدورَ بما فيها، فلا يَذوقوا مِن لُحومِ الحُمُرِ شَيئًا.
ويَحكي عَبدُ اللهِ بنُ أبي أوْفى أنَّ بَعضَ الصَّحابةِ قالوا: إنَّما نَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنها؛ لِأنَّه لَم يُؤخَذْ منها الخُمُسُ. والبَعضُ الآخَرُ قال: حَرَّمَها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ألبَتَّةَ»، أي: قَطْعًا ودائمًا، وهذا هو ما أكَّدَه التَّابِعيُّ سَعيدُ بنُ جُبَيرٍ، فقال: حَرَّمَها ألبَتَّةَ.
وفي الحَديثِ: النَّهيُ عن أكلِ لُحومِ الحُمُرِ الأهليَّةِ.
وفيه: الإسراعُ في تَغييرِ المُنكَرِ وإزالَتِه إذا ظَهَرَ.