باب ما جاء أن ما بين المشرق والمغرب قبلة
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن أبي معشر قال: حدثنا أبي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما بين المشرق والمغرب قبلة»،
_________
الصَّلاةُ صِلةٌ بين العبدِ وربِّه، لها شرُوطٌ وأرْكانٌ لا تتِمُّ إلَّا بها، ومِن هذه الشُّروطِ الَّتي لا بدَّ أنْ يأتِيَ بها المسلِمُ؛ لكي تصِحَّ صلاتُه: استِقبالُ القِبلَةِ، وقد بيَّن لنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم هذا الشَّرطَ بيانًا واضِحًا، ومن ذلك البيانِ قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم في هذا الحديثِ: "ما بَيْن المشرِقِ والمغرِبِ"؛ في السَّعَةِ والبُعْدِ، "قِبلَةٌ"؛ يستقبِلُها المصلِّي ويتوجَّه إليها، وهذا لأهْلِ المَدينَةِ المنوَّرةِ ونحوِها مِن البلادِ الَّتي بقُرْبِ مكَّةَ، وعلى ذلك سائِرُ البُلدانِ والآفاقِ؛ فلهم مِن السَّعةِ في القِبلةِ مثلُ ذلك إذا توجَّهوا إلى الكعْبةِ؛ فلأهْلِ اليمَنِ مِن السَّعةِ في قِبلتِهم مثلُ ما لأهلِ المَدينَةِ ما بين المشرِقِ والمغرِبِ إذا تَوجَّهوا أيضًا قِبَلَ الكعْبَةِ، إلَّا أنَّهم يجعَلون المشرِقَ عن أيْمانِهم والمغرِبَ عن يَسارِهم، وهكذا سائرُ البِلادِ ما بين اتِّجاهٍ وعكسِه؛ كالجَنوبِ والشَّمالِ قِبلَةٌ إذا توجَّهوا إلى الكَعبَةِ، وقيل: يَحتمِلُ المعنى: أنَّه عامٌّ لأهْلِ الشَّرقِ، أي: بين مشرِقِ الشِّتاءِ ومغرِبِ الصَّيْفِ، وبين مغرِبِ الشِّتاءِ ومَشرِقِ الصَّيْفِ قبلَةٌ، وقيل: أراد به المسافِرَ إذا التبَسَتْ عليه قِبلَتُه، فأمَّا الحاضِرُ فيجِبُ عليه التَّحرِّي والاجتِهادُ، وهذا إنَّما يصِحُّ لِمَن كانت قِبلَتُه في جَنوبِه وشَمالِه، والقِبلَةُ في الأصْلِ الجِهَةُ، وقيل: غيرُ ذلك.
وفي الحديثِ: بيانُ ما في الشَّرعِ مِن تيسِيرٍ.