باب ما جاء إذا حدت الحدود ووقعت السهام فلا شفعة
سنن الترمذى
حدثنا عبد بن حميد قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق، فلا شفعة»: هذا حديث حسن صحيح وقد رواه بعضهم مرسلا، عن أبي سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وبه يقول بعض فقهاء التابعين، مثل: عمر بن عبد العزيز، وغيره، وهو قول أهل المدينة، منهم: يحيى بن سعيد الأنصاري، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، ومالك بن أنس، وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق: لا يرون الشفعة إلا للخليط، ولا يرون للجار شفعة إذا لم يكن خليطا وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: الشفعة للجار، واحتجوا بالحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «جار الدار أحق بالدار»، وقال: «الجار أحق بسقبه»، وهو قول الثوري، وابن المبارك، وأهل الكوفة
حَرَصتِ الشَّريعةُ الإسلاميَّةُ على كلِّ ما يَحفَظُ للنَّاسِ مَصالِحَهم، ويُديمُ وُدَّهُم، وخاصَّةً فيما يَكونُ بيْن الشُّرَكاءِ، ولذا جُعِلَت الشُّفعةُ للشَّريكِ في نَصيبِ شَريكِه إذا أراد بَيعَه، وَفْقَ ضَوابطَ مُحدَّدةٍ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حكَمَ بالشُّفعةِ في كلِّ مالٍ بيْن الشُّركاءِ يَحتمِلُ القِسمةَ، كالعَقارِ والأرضِ ونحْوِهما، ولم يُقْسَمْ، والشُّفْعةُ: هي ضَمُّ نَصِيبٍ إلى نَصيبٍ آخَرَ، وصُورتُها: أنَّه إذا باعَ أحدُ الشُّرَكاءِ في دارٍ أو أرضٍ نَصيبَه لغيرِ الشُّركاءِ، فللشُّرَكاءِ أَخْذُ هذا النَّصيبِ بالثَّمَنِ نفْسِه الَّذي بَاعَه به، ويكونُ حَقُّ الشُّفعةِ في كلِّ مالٍ -أرضًا كان أو عَقَارًا- إذا لم يُقسَمْ، وتُبَيَّنْ حُدودُ نَصيبِ كلِّ شَرِيك فيه، فإذا وُضِعَتِ الحدودُ وظَهَر نَصيبُ كلِّ فرْدٍ مِن الشُّرَكاءِ، وصُرِّفَتِ الطُّرُقُ، أي: مُيِّزَتْ وبُيِّنت الطُّرقُ والشَّوارعُ لكلِّ نَصيبٍ؛ فلا يكونُ لأيٍّ مِن الشُّركاءِ حقُّ الشُّفعةِ، ويكونُ لأيِّ شَرِيكٍ منهم بَيْعُ نَصِيبِه لِمَن أراد حتَّى لغَيرِ الشُّرَكاءِ.