باب ما جاء في إشارة المسلم إلى أخيه بالسلاح
سنن الترمذى
حدثنا عبد الله بن الصباح العطار الهاشمي قال: حدثنا محبوب بن الحسن قال: حدثنا خالد الحذاء، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أشار على أخيه بحديدة لعنته الملائكة»: وفي الباب عن أبي بكرة، وعائشة، وجابر، وهذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه يستغرب من حديث خالد الحذاء ورواه أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، نحوه، ولم يرفعه وزاد فيه: «وإن كان أخاه لأبيه وأمه» حدثنا بذلك قتيبة قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب بهذا
المُسلِمُ مَأمورٌ بحُسْنِ الخُلُقِ مع النَّاسِ جميعًا، ومع إخْوانِه مِن المُسلِمين بصِفةٍ خاصَّةٍ، وقدْ سَدَّ الشَّرعُ ذَرائعَ الشَّيطانِ ومَداخِلَه الَّتي يَترصَّدُ منها للنَّاسِ ليُفْسِدَ بيْنهم ويُوقِعَ الشَّرَّ فيهم.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أن مَن رَفَع في وَجْهِ أخيه المسلِمِ حَدِيدةً أو سِلاحًا، أَوْ أَشار بها إليه ليُروِّعَهُ أو يُخوِّفَه ولو كان مَازِحًا، «فإنَّ الملائكةَ تَلْعَنُه»، أيْ: تَدْعو عليه بالطَّردِ مِن رحمةِ اللهِ والحرمانِ مِن ثَوابِه والوقوعِ في النَّارِ، ولا تَزالُ تَلْعَنُه حتَّى يُبعِدَها عنه، حتَّى وإنْ كان المُشارُ إليه بالحَدِيدةِ أخاهُ الشَّقيقَ مِن أبيهِ وأُمِّه، وهذا مُبالَغةٌ في إيضاحِ عُمُومِ النَّهي في كلِّ أَحْدٍ؛ سَواء مَن يُتَّهمُ فيه ومَن لا يُتَّهمُ.
وقدْ جاء في رِوايةٍ في الصَّحيحينِ قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «فإنَّه لا يَدْري أحدُكم لَعلَّ الشَّيطانَ يَنزِعُ في يَدِه فيَقَعُ في حُفرةٍ مِن النَّارِ» والمرادُ: أنَّه قدْ يَتحرَّكُ السِّلاحُ مِن يَدِه، فيَقتُلُ أخاه، أو يَتسبَّبُ له في ضَررٍ، فيَقَعُ بسَببِ ذلك في مَعصيةٍ كَبيرةٍ تُفْضِي به إلى أنْ يُعذَّبَ في حُفْرةٍ مِن حُفَرِ النَّارِ.
وهذا كلُّه مِن بابِ الحرصِ على سَلامةِ المجتَمعِ وحِفظِ العَلاقاتِ بيْن النَّاسِ، وعدَمِ تَخويفِهم وتَرويعِهم ولوْ بالإشارةِ والتَّهديدِ، فكيْف بما هو أعْلى وأخطَرُ مِن ذلكَ؟!
وفي الحديثِ: إشارةٌ لعِظَمِ ذَنْبِ قَتْلِ المُسلمِ بغَيرِ حقٍّ.