باب ما جاء في صفة أواني الحوض
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثنا يحيى بن صالح قال: حدثنا محمد بن المهاجر، عن العباس، عن أبي سلام الحبشي، قال: بعث إلي عمر بن عبد العزيز فحملت على البريد، قال: فلما دخل عليه قال: يا أمير المؤمنين لقد شق على مركبي البريد، فقال: يا أبا سلام ما أردت أن أشق عليك ولكن بلغني عنك حديث تحدثه، عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحوض فأحببت أن تشافهني به، قال أبو سلام، حدثني ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «حوضي من عدن إلى عمان البلقاء، ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل، وأكوابه عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين، الشعث رءوسا، الدنس ثيابا الذين لا ينكحون المتنعمات ولا تفتح لهم أبواب السدد» قال عمر: «لكني نكحت المتنعمات، وفتح لي السدد، ونكحت فاطمة بنت عبد الملك لا جرم أني لا أغسل رأسي حتى يشعث، ولا أغسل ثوبي الذي يلي جسدي حتى يتسخ»: «هذا حديث غريب من هذا الوجه» وقد روي هذا الحديث عن معدان بن أبي طلحة، عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم، " وأبو سلام الحبشي اسمه: ممطور وهو شامي ثقة "
في هذا الحديثِ يِصِفُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حوضَه الشَّريفَ الذي يُعْطيهِ اللهُ له يومَ القيامةِ، مِنْ حيثُ عِظَمُ مَساحتِهِ، وكَثْرةُ أكوابِهِ وآنيتِهِ، ومَنِ الذين يَرِدونَ عليه؛ فيقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "حَوْضي" والحُوضُ هو الشَّيءُ أو المكانُ الذي يُجْمَعُ فيها الماءُ، وهذا الحوضُ أَعْطاهُ اللهُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الآخرةِ، وهذا الحوضُ مِساحتُهُ هي "مِنْ عَدَنٍ" وهي مدينةٌ باليمنِ، إلى "عَمَّانَ البَلْقاءِ" وهي قريةٌ بالشَّامِ.
ثُمَّ أَخَذَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَصِفُ الحوضَ، فقال: "ماؤهُ أَشَدُّ بياضًا مِنَ اللَّبنِ"، أي: إنَّ بياضَ مائهِ يَفوقُ بياضَ اللَّبنِ "وأَحْلى مِنَ العَسَلِ"، أي: وإنَّ طَعْمَه أَشَدُّ حَلاوةً مِنَ العَسَلِ، "وأكاويبُه"، أي: عددُ أكوابِهِ وكيزانِهِ "عددُ نُجومِ السَّماءِ"، أي: في كَثْرتِها، "مَنْ شَرِبَ منه شَرْبَةً"، أي: مَنْ تَناوَلَ منه شَرْبةً واحدةً "لَمْ يَظْمأْ" أي: لم يُصِبْهُ عَطَشٌ "بَعْدَها أبدًا"، أي: بَعْدَ هذه الشَّرْبَةِ أبدًا.
ثُمَّ بيَّنَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ "أوَّلَ النَّاسِ وُرُودًا عليه" أي: أوَّلَ مَنْ يَحْضُرُ الحوضَ ليَشْربَ منه هُمْ "فقراءُ المهاجرينَ" الذينَ هاجَروا مِنْ مَكَّةَ إلى المدينةِ، والذين صِفَتُهم "الشُّعْثُ رؤوسًا"، أي: التي تَفرَّقَ شَعرُ رُؤوسِهِم، "الدُّنُسُ ثِيابًا" أي: المُتَّسِخَةُ ثِيابُهم، "الذين لا يُنْكَحونَ"، رُوِيَ: لا يُنْكَحونَ- بصِيغةِ المجهولِ-، أي: الذين يُمْنعونَ مِنَ الزَّواجِ ويَصُدُّهُم النَّاسُ لِفَقْرِهِمْ، ويَرْفضونَ تَزويجَهُمْ مِنْ "المُتنعِّماتِ"، أي: اللاتي يَعِشْنَ في النَّعيمِ والغِنَى والتَّرَفِ، ويُروَى (لا يَنكِحون) - بفَتح الياءِ وكَسرِ الكافِ-، أي: الذين لا يَتزوَّجونُ المتنعماتِ; لزُهدِهم في اللَّذَّاتِ.
"ولا يُفْتَحُ لهم السُّدَدُ" وهي الأبوابُ، أي: لا يُهْتَمُّ بهم ولا يُلْتَفَتُ إليهِمْ على وَجْهِ العُمومِ، أو: لا تُفْتَحُ لهم أبوابُ الأمراءِ والسَّلاطينِ؛ لِفَقْرِهِمِ وعَدَمِ وجودِ شَوكةٍ لهمْ مِثْلِ غيرِهِم مِنْ أصحابِ الجاهِ والمالِ؛ وهذا القولُ مِن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لمواساةِ الفقراءِ وتَثبيتِهم على الإيمانِ والإسلامِ، وإعلامِهم بما لهم مِن مكانةٍ وخيرٍ على ذلك في الآخِرَةِ.
وفي الحديث: بيانُ سَعةِ حَوضِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه: بيانُ فَضلِ فُقراءِ المهاجِرينَ.