‌‌باب ما جاء في الذبح بعد الصلاة

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في الذبح بعد الصلاة

حدثنا علي بن حجر قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن البراء بن عازب، قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم نحر، فقال: «لا يذبحن أحدكم حتى يصلي»، قال: فقام خالي، فقال: يا رسول الله، هذا يوم اللحم فيه مكروه، وإني عجلت نسكي لأطعم أهلي وأهل داري أو جيراني، قال: «فأعد ذبحك بآخر»، فقال: يا رسول الله، عندي عناق لبن، وهي خير من شاتي لحم، أفأذبحها؟ قال: «نعم، وهي خير نسيكتيك، ولا تجزئ جذعة بعدك» وفي الباب عن جابر، وجندب، وأنس، وعويمر بن أشقر، وابن عمر، وأبي زيد الأنصاري: هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم: أن لا يضحى بالمصر حتى يصلي الإمام، وقد رخص قوم من أهل العلم لأهل القرى في الذبح إذا طلع الفجر، وهو قول ابن المبارك: وقد أجمع أهل العلم: أن لا يجزئ الجذع من المعز، وقالوا: إنما يجزئ الجذع من الضأن
‌‌

يسَّرَ الشَّرعُ الحنيفُ على النَّاسِ فيما يشُقُّ عليهم من الأحكامِ، وبَيَّن لهم البدائِلَ الشَّرعيَّةَ لِمن لم يستَطِعْ فِعلَ ما أمَرَ اللهُ به.
وفي هذا الحَديثِ يروي التابعيُّ عبدُ اللهِ بنُ مَعقِلٍ أنَّه قَعَدَ إلى الصَّحابيِّ كَعْبِ بنِ عُجْرةَ رضي الله عنه في مَسجدِ الكوفةِ، فسَألَه عن معْنى قولِه تعالَى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196]، فأجابه كَعْبُ بنُ عُجْرةَ رضِيَ اللهُ عنه بما وقَعَ له، فقالَ: حُمِلْتُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والقَمْلُ يَتناثَرُ على وَجْهي، وكان ذلك في حَجَّةِ الوداع، وهي الحَجَّةُ التي حَجَّها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا رآه كذلك: «ما كُنتُ أظُنُّ أنَّ الجَهْدَ»، أي: المَشقَّةَ والتَّعبَ «قد بَلَغَ بك هذا» الَّذي رأيْتُ، ثمَّ سأله «أمَا تَجِدُ شاةً؟» وهي الواحِدةُ مِنَ الضَّأنِ، وتُذبَحُ فِديةً نظيرَ ارتكابِ أمرٍ مِن محظوراتِ الإحرامِ بالحَجِّ، وهو هنا حَلْقُ الشَّعرِ لأجْلِ إزالةِ القَملِ عنه، فقال كعبٌ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا أجِدُها، أي: لا أملِكُها ولا أملِكُ ثمنَها، فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «صُمْ ثَلاثةَ أيَّامٍ» نظيرَ ما ستفعَلُه من حَلقِ شَعرِ رأسِك، وهذا بيانٌ لِقولِه تعالى: {مِنْ صِيَامٍ}، أو أطْعِم ستَّةَ مَساكينَ بيانًا لِقولِه تعالَى: {أَوْ صَدَقَةٍ}، لكُلِّ مِسكينٍ نِصفُ صاعٍ مِن طَعامٍ. واحلِقْ رأسَك، ثم أخبَرَ كعبُ بنُ عُجرةَ رَضِيَ اللهُ عنه من سأله أنَّ الآيةَ وإن نزلت فيه خاصَّةً، فهي للمُسلمينَ عامَّةً، فالعَمَلُ بمقتضاها لكُلِّ النَّاسِ إلى يومِ القيامةِ.
وفي الحَديثِ: مَشروعيَّةُ حَلقِ المُحرِمِ شَعْرَ رَأسِه لِأَذى القَملِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ الجُلوسِ لمُذاكَرةِ العِلمِ ومُدارستِه.
وفيه: بيانُ حِرصِ التابعينَ على معرفةِ الأحكامِ، وبيانُ الصَّحابة لهم.