باب ما جاء في النهي عن نكاح الشغار2
سنن الترمذى
حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال: حدثنا معن قال: حدثنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر، «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار». هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند عامة أهل العلم: لا يرون نكاح الشغار، والشغار: أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، أو أخته، ولا صداق بينهما، وقال بعض أهل العلم: نكاح الشغار مفسوخ، ولا يحل وإن جعل لهما صداقا، وهو قول الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وروي عن عطاء بن أبي رباح أنه قال:: «يقران على نكاحهما ويجعل لهما صداق المثل، وهو قول أهل الكوفة»
لم تُكرَّمِ المَرأةُ في حَضارةٍ مِنَ الحَضاراتِ، ولا في شَريعةٍ مِنَ الشَّرائعِ مِثلَما كرَّمَها الإسلامُ؛ فقد جَعَلَ لها حُقوقًا ومَكانةً وحُظوةً ورأيًا يُحتَرَمُ، ومِن ذلك أنَّه فَرَضَ على الرَّجُلِ مَهْرًا يُؤدِّيه إليها إذا أرادها زَوجةً، بلْ أكثرُ مِنْ ذلك؛ أنْ جَعلَ لها في الزَّواجِ أمْرًا ومَشورةً، ولم يَجْعَلْها سِلعةً تُباعُ وتُشتَرى أو تُستَبدَلُ.
وفي هذا الحَديثِ يروي عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَهى عن زَواجِ الشِّغار، والشِّغارُ في الشَّرعِ -كَما عُرِّفَ في الحَديثِ-: أنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابنَتَه أو مُوَلِّيَتَه من أختٍ وغيرِها، على أنْ يُزَوِّجَه الآخرُ ابنَته أو مُوَلِّيَتَه من أختٍ وغَيرِها، وليس بيْنهما صَداقٌ، وهو المَهرُ الذي يُجعَلُ لِلمرأةِ حالَ تَزوُّجِها، أي: يكونُ تزويجُ كُلٍّ منهما مهرًا للأخرى، أمَّا إذا سُمِّيَ لكُلِّ واحدةٍ منهنَّ مَهْرُها، فلا بأسَ.
وهذا التفسيرُ للشِّغارِ؛ قيل: مَرفوعٌ مِنْ كَلامِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقيل: مِنْ كَلامِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضِيَ اللهُ عنْهما، وقيل: مِنْ كَلامِ نافِعٍ مولى ابنِ عُمَرَ، وقيل: مِنْ كَلامِ مالكٍ.
وهذا النَّوعُ مِنَ الزَّواجِ كان مُنْتَشِرًا في الجاهليَّةِ، فجاء الإسلامُ فَمَحاهُ؛ لأنَّ فيه فسادًا كَبيرًا، ويُفضِي إلى إجبارِ النِّساءِ على نِكاحِ مَنْ لا يَرغَبنَ فيه؛ إيثارًا لمَصلَحةِ الأولياءِ على مَصلَحةِ النِّساءِ، وذلك مُنكَرٌ وظُلمٌ لِلنِّساءِ، ولأنَّ ذلك أيضًا يُفضي إلى حِرمانِ النِّساءِ مِن مُهورِ أمثالِهنَّ.