باب ما جاء في صفة غرف الجنة1
سنن الترمذى
حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا علي بن مسهر، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة لغرفا ترى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها» فقام إليه أعرابي فقال: لمن هي يا رسول الله؟ قال: «هي لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وأدام الصيام، وصلى لله بالليل والناس نيام»: «هذا حديث غريب، وقد تكلم بعض أهل العلم في عبد الرحمن بن إسحاق هذا من قبل حفظه وهو كوفي، وعبد الرحمن بن إسحاق القرشي مديني وهو أثبت من هذا»
وفي هذا الحديثِ وصفٌ لبعضِ ما فيها وللأعمالِ التي تكونُ سببًا في الفوزِ به، حيثُ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إنَّ في الجنَّةِ غُرُفًا" جمْعُ غُرْفَةٍ وهي الحُجْرةُ، "يُرى ظاهِرُها من باطِنِها، وباطِنُها من ظاهِرِها"، أي: أنَّها غُرَفٌ شفَّافةٌ يَرى مَن بداخِلِها مَنْ خارِجَها، ويَرى مَن خارِجَها مَنْ بداخِلِها، كأنْ تكونَ من زُجاجٍ أو أَلْماسٍ أو دُرٍّ وياقوتٍ، ولا يَعلَمُ حَقيقَتَها إلَّا اللهُ.
فقال الصحابيُّ الجليلُ أبو مالِكٍ الأشْعريُّ رضِيَ اللهُ عنه: "لِمَنْ هي يا رسولَ اللهِ؟"، أي: لِمَنْ تلك الغُرَفُ التي يُرى ظُهورُها من بُطونِها، وبُطونُها من ظُهورِها؟ والتَّقْديرُ: ما هي الأعْمالُ التي إذا أتى بها صاحِبُها في الدُّنْيا ظَفر وفازَ بها في الآخِرَةِ؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "هي لِمَن أطابَ الكلامَ"، أي: لِمَن تكلَّم بطِيبِ الكَلامِ، وتَرَكَ قَبيحَه وشَرَّه، وهذه كِنايَةٌ عن حُسْنِ الخُلُقِ، "وأَطْعَمَ الطَّعامَ"، أي: وأَطْعَمَ الجَوْعى من الفُقراءِ والمَساكينِ، وهذه كِنايَةٌ عن الصَّدَقةِ والإنْفاقِ، "وباتَ قائِمًا والناسُ نيامٌ"، أي: وحافَظَ على قِيامِ اللَّيلِ والتَّهجُّدِ للهِ عزَّ وجلَّ، والناسُ في غَفْلةٍ نائِمونَ.
وفي الحديثِ: أنَّ الحِرْصَ على العِباداتِ، والزيادَةَ فيها سَبَبٌ لنَيْلِ الدَّرَجاتِ العُلْيا في الجنَّةِ .