باب ما جاء في صفة غرف الجنة2
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد أبو عبد الصمد العمي، عن أبي عمران الجوني، عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن في الجنة جنتين من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتين من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن»
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ في الجنَّةِ"، أي: داخِلَ الجنَّةِ، "جنَّتَين"، أي: قَصْرَين أو بيتَينِ أو حَديقتَين "آنِيَتُهما"، والآنيةُ جَمعُ إناءٍ، وهو الوِعاءُ أو القِدْرُ، "وما فيهما"، أي: وما في الجنَّتَين مِن أثاثٍ ومتاعٍ، "مِن فضَّةٍ"، أي: مَصنوعٌ مِن فِضَّةٍ، "وجنَّتَين"، أي: إنَّ في الجنَّةِ أيضًا قَصرَين أو بيتَين أو حَديقتين، "آنيَتُهما وما فيهما مِن ذهَبٍ"، أي: كلُّ أوعِيَتِهما وأثاثِهما ومَتاعِهما مَصنوعٌ مِن الذَّهَبِ، "وما بينَ القومِ وبينَ أن يَنظُروا إلى ربِّهم إلَّا رِداءُ الكِبْرياءِ على وجهِه"، أي: وليس بينَ أهلِ الجنَّةِ وبين أنْ يَنظُروا إلى ربِّهم عزَّ وجلَّ إلَّا أن يَكشِفَ اللهُ عزَّ وجلَّ لهم عن وَجْهِه، فيتَمتَّعوا بنَعيمٍ لم يرَوا مِثلَه قطُّ "في جنَّةِ عَدْنٍ"، أي: وذلك النَّعيمُ في جَنَّةِ عَدْنٍ، وقيل: عَدْنٌ هي قصَبةُ الجنَّةِ، وفَوقَها عرشُ الرَّحمنِ، وقيل: هي مَسكَنُ النَّبيِّين والصِّدِّيقين والشُّهداءِ؛ واللهُ سبحانه وتعالى يُرى في الدَّارِ الآخِرَةِ حَقيقةً، كما ذَكَر ذلك في غيرِ ما آيةٍ، كقولِه عَزَّ وَجَلَّ: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22- 23]، وكما ذَكَر ذلك نبيُّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأعرَفُ الخلقِ به في غَيرِ ما حديثٍ، ورُؤيتُه سبحانه حقٌّ، وهو عَزَّ وَجَلَّ في عُلُوِّه، وليس كمِثلِه شَيءٌ وهو السَّميعُ البصيرُ.
وفي حَديثِ صُهَيبٍ في تَفسيرِ قولِه تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] بأنَّ الزِّيادةَ هي النَّظرُ إلى وجْهِه الكريمِ، وفيه ما يَدُلُّ على أنَّ المُرادَ برِداءِ الكبرياءِ هو الحِجابُ، والمؤمِنُ يُثبِتُ ما أثبتَه اللهُ تعالى لنَفسِه، مِن حِجابٍ، أو غيرِه، على المعنى اللَّائقِ به سبحانه وتعالى، فلا يُعطِّلَ، ولا يُشبِّهَ، ولا يَعلَمُ كيفيَّةَ ذلك إلَّا اللهُ سُبحانَه وتعالَى.
وفي الحَديثِ: بيانُ صِفةِ الجنَّةِ ونَعيمِها، والتَّرغيبُ فيها.
وفيه: بيانُ أنَّ رُؤيةَ اللهِ عزَّ وجلَّ هي أعظَمُ نَعيمِ الجنَّةِ.