باب ما جاء في الأذان في السفر
سنن الترمذى
حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن مالك بن الحويرث، قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وابن عم لي، فقال لنا: «إذا سافرتما فأذنا وأقيما، وليؤمكما أكبركما». هذا حديث حسن صحيح، والعمل عليه عند أكثر أهل العلم اختاروا الأذان في السفر، وقال بعضهم: تجزئ الإقامة، إنما الأذان على من يريد أن يجمع الناس، والقول الأول أصح، وبه يقول أحمد، وإسحاق
الصَّلاةُ لها شأنٌ عظيمٌ في الإسلامِ، وقد حَرَص النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على تعليمِ أمَّتِه كلَّ ما يتَعلَّق بالصَّلاةِ، وخاصَّةً صَلاةَ الجماعةِ، فأمَرَ أن يكونَ الإمامُ أكثرَ المصلِّين عِلمًا وحِفظًا للقُرآنِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ مالكُ بنُ الحُوَيْرثِ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال له- أو لصاحبٍ له-"، أي: قال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو ورَفيقُه الَّذي يُصاحِبُه، "إذا حضَرَتْ الصَّلاةُ"، أي: دخَل وقتُها، "فأذِّنا ثمَّ أَقِيما"، أي: ارفَعا الأذانَ لتِلْك الصَّلاةِ الَّتي حضَر وقتُها، ثمَّ ارفَعا الإقامةَ للصَّلاةِ، وهذا في الحَضَرِ والسَّفَرِ على السَّواءِ، وفيه إشارةٌ إلى أنَّه لم يَشتَرِطْ لهم شُروطَ المؤذِّنِ أو المقيمِ، فأيُّهما أرادَ فَلْيتقَدَّمْ.
"ثمَّ لْيُؤمَّكما أكبَرُكما سِنًّا"، أي: يتقدَّمْ للإمامة المُتقدِّمُ في السِّنِّ، وفي روايةٍ: قال مالكٌ: "وكنَّا يومَئذٍ مُتقارِبين في العِلمِ"، وهذا إشارةٌ إلى أنَّ صاحِبَ العِلمِ يُقدَّمُ على مَن هو أكبَرُ منه سِنًّا إنْ كان أقلَّ مِنه في العِلمِ، وإذا تَقارَبوا في العِلم؛ فيُقدَّم الأكبرُ سِنًّا.
قال خالدٌ الحذَّاءُ- مِن رُواةِ الحديثِ-: قلتُ لأَبي قِلابةَ وهو الَّذي يَروي عن مالكِ بنِ الحُوَيْرِثِ: "فأينَ القُرآنُ؟"، أي: أين شَرطُ أن يتَقدَّمَ أحفَظُهم للقُرآنِ؟ فقال أبو قِلابةَ: "إنَّهما كانا مُتقاربَيْنِ"، أي: في حفظِ القرآنِ، إشارةً إلى أنَّ مَن يُقدَّمُ للإمامةِ على التَّرتيبِ هو صاحبُ القرآنِ والأحفَظُ له، ثمَّ الأكثرُ عِلمًا، ثمَّ الأكبرُ سِنًّا.