باب مناقب أبي هريرة رضي الله عنه5
سنن الترمذى
حدثنا عمران بن موسى القزاز قال: حدثنا حماد بن زيد قال: حدثنا المهاجر، عن أبي العالية الرياحي، عن أبي هريرة، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بتمرات، فقلت: يا رسول الله ادع الله فيهن بالبركة فضمهن ثم دعا لي فيهن بالبركة. فقال لي: " خذهن واجعلهن في مزودك هذا، أو في هذا المزود، كلما أردت أن تأخذ منه شيئا فأدخل يدك فيه فخذه ولا تنثره نثرا، فقد حملت من ذلك التمر كذا وكذا من وسق في سبيل الله، فكنا نأكل منه ونطعم، وكان لا يفارق حقوي حتى كان يوم قتل عثمان فإنه انقطع: «هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه عن أبي هريرة»
وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو هريرةَ رَضيَ اللهُ عنه: أَتيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "بتَمراتٍ"، أي: حَفْنَةٍ مِنَ التَّمْرِ، "فقلتُ"، أي: قال أبو هريرةَ: يا رسولَ اللهِ "ادْعُ اللهَ فيهِنَّ بالبَركةِ"، أي: ادْعُ اللهَ يا رسولَ اللهِ أنْ يُبارِكَ لي في تِلْكَ التَّمراتِ، "فضَمَهُنَّ"، أي: أَخَذَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَفْنَةَ التَّمْرِ ووَضَعَ كِلْتَا يَدَيْهِ عليها، "ثُمَّ دعا لي فيهِنَّ بالبَرَكةِ"، أي: دعا اللهَ أنْ يُبارِكَ لأبي هُريرةَ في تِلْكَ التَّمراتِ، "فقال لي"، أي: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأبي هريرةَ: "خُذْهُنَّ فاجْعلْهُنَّ في مِزودِكَ هذا"، أي: خُذْ يا أبا هريرةَ تَمراتِكَ تلك واحْفَظْهُمْ في جرابِكَ هذا، "أو في هذا المِزودِ" المِزودُ هو جِرابٌ يُوضَعُ فيه الزَّادُ مِنَ الطَّعامِ وغيرِهِ،" كُلَّما أَرَدتَ أنْ تأخُذَ منه شيئًا فأَدْخِلْ فيه يَدَكَ فخُذْهُ"، أي: وإذا أَرَدتَ أنْ تأخذَ مِنْهَ تَمْرًا فأَدْخِلْ يَدَكَ داخِلَ الجِرابِ وخُذْ ما شِئتَ، "ولا تَنْثُرْهُ نَثْرًا"، أي: ولا تُفْرِغِ الجِرابَ مِنَ التَّمرِ ولا تَنْشُرْهُ نَشْرًا.
قال أبو هُريرَةَ رضِيَ اللهُ عنه: "فقد حَمَلتُ مِنَ ذلك التَّمْرِ كذا وكذا من وَسْقٍ في سبيلِ اللهِ"، أي: وقد ظَلِلتُ أتزوَّدُ مِنْ ذلك التَّمْرِ زمنًا طويلًا حتَّى إني لأَظُنُّ أنِّي قد أخذتُ منه ما يَزيدُ على عِدَّةِ أَوْسُقٍ، والوَسْقُ مِكيالٌ يساوي 180 كيلوغرامًا تقريبًا، "وكُنَّا نَأكُلُ منه ونَطْعَمُ"، أي: وكنتُ آكُلُ أنا وأهلي وأصحابي من ذلك التَّمْرِ، "وكان لا يُفْارِقُ حَقْوي" والحَقْوُ هو الرِّباطُ الذي يُشَدُّ بِهِ الوَسَطُ "حتَّى كان يومَ قَتْلِ عُثْمانَ فإنَّه انَقْطَعَ"، أي: وظَلَّ جِرابُ التَّمْرِ معي مُنْذُ دعا لي فيه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالبَركةِ حتَّى كان اليومُ الذي قُتِلَ فيه عُثْمانُ بنُ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه، فإنَّ جِرابَ التَّمْرِ انَقْطَعَ وضاع مِنِّي.
وفي الحديث: بيانُ بَركةِ دُعاءِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه: حِرْصُ الصَّحابةِ على الإصابةِ مِنْ بَركةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.