‌‌باب ما جاء في هوان الدنيا على الله عز وجل2

سنن الترمذى

‌‌باب ما جاء في هوان الدنيا على الله عز وجل2

حدثنا سويد بن نصر قال: أخبرنا عبد الله بن المبارك، عن مجالد، عن قيس بن أبي حازم، عن المستورد بن شداد، قال: كنت مع الركب الذين وقفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السخلة الميتة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أترون هذه هانت على أهلها حين ألقوها»، قالوا: من هوانها ألقوها يا رسول الله، قال: «فالدنيا أهون على الله من هذه على أهلها» وفي الباب عن جابر، وابن عمر: «حديث المستورد حديث حسن»

كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُعلِّمُ أصحابَه في كلِّ المواقِفِ ويَضرِبُ لهم الأمثالَ؛ ليكونَ أقربَ إلى أفْهامِهم وعُقولِهم.
وفي هذا الحَديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قَدْرَ الدُّنيا ومِقدارَها عندَ اللهِ، وفيه يَقولُ المُستَورِدُ بنُ شدَّادٍ رَضِي اللهُ عَنه: "كنتُ مع الرَّكْبِ"، أي: جَماعةِ الرُّكَّابِ، "الَّذين وقَفوا مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم على السَّخْلَةِ الميِّتةِ"، أي: عندَها وقَريبِينِ منها، والسَّخلَةُ: هي مِن ولَدِ الماعِزِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أتَرَون هذِه"، أي: السَّخلَةَ، "هانَت على أهلِها حين ألقَوْها؟"، أي: هل كانت عِندَهم لا تُمثِّلُ شيئًا حين رمَوْها؟ فقال الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عَنهم الَّذين كانوا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "مِن هوانِها ألقَوْها يا رسولَ اللهِ"، أي: إنَّ أصحابَها ما رمَوْها ونبَذوها إلَّا بعدَما أصبحَت لا تُمثِّلُ لهم شيئًا، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "الدُّنيا أهوَنُ"، أي: كذلك الدُّنيا فهي أحقَرُ وأسهَلُ "على اللهِ، مِن هذه على أهلِها"، أي: بمِثْلِ تلك السَّخلةِ الميِّتةِ عند أصحابِها، وفي هذا إشارة إلى التَّحذيرِ مِن أنْ يَستغرِقَ المسلِمُ في مَتاعِ الدُّنيا وشَهواتِها؛ فقد خلَق اللهُ الدُّنيا ولَم يَجعَلْ لها وَزنًا، وكانتْ عنده هَيِّنةً.