‌‌باب ما ذكر من سيماء هذه الأمة يوم القيامة من آثار السجود والطهور

سنن الترمذى

‌‌باب ما ذكر من سيماء هذه الأمة يوم القيامة من آثار السجود والطهور

حدثنا أبو الوليد أحمد بن بكار الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: قال صفوان بن عمرو قال: أخبرني يزيد بن خمير، عن عبد الله بن بسر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أمتي يوم القيامة غر من السجود، محجلون من الوضوء»: «هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث عبد الله بن بسر»
‌‌

جَعَل اللهُ تعالَى للمُؤمنِينَ سِماتٍ وصِفاتٍ تُميِّزُهم عن غَيرهِمْ في الآخِرةِ، وبها يَعرِفُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أتْباعَه يَومَ القِيامةِ، كعَلاماتِ الإيمانِ والإسلامِ، ومِثلِ أثَرِ الوُضوءِ الذي يكونُ نُورًا ظاهرًا على أعضاءِ الوُضوءِ. وفي هذا الحديثِ يَحكي نُعَيْمٌ المُجْمِرُ أنَّه صَعِدَ مع أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه على ظَهْرِ المَسجِدِ النَّبويِّ، فتَوضَّأَ وُضوءًا كاملًا وأسْبَغَه، وأعْطى كلَّ عُضْوٍ حَقَّه مِن الماءِ والغَسلِ، ثمَّ أخبَرَ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَشَّر أُمَّتَه الذين اسْتَجابوا له بأنَّ اللهَ تعالى يُميِّزُهم بعَلامةٍ يومَ القِيامةِ، ويُنادَوْنَ على رُؤوسِ الأشهادِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِن آثارِ الوُضوءِ، والغُرَّةُ: بَياضٌ في الجَبهةِ، والمرادُ بها هنا النُّورُ الكائنُ في وُجوهِ أُمَّةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والتَّحجيلُ: بَياضٌ في السَّاق، والمرادُ به هنا أيضًا النُّورُ؛ فإنَّ الوُضوءَ يَترُكُ أثرًا في الوجْهِ والسَّاقِ واليَدينِ يكونُ بَياضًا ونُورًا يومَ القِيامةِ، تَختصُّ به هذه الأُمَّةُ مْن بيْن الأُمَمِ، ولَمَّا كان للوُضوءِ هذا الأثرُ، أوْصى أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه بإطالةِ الغُرَّةِ، فقال: «فمَنِ اسْتَطاعَ مِنكُم أنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ، فلْيَفعَلْ»، ولْيُطِلِ الغُرَّةَ والتَّحجيلَ، واقتَصَرَ على ذِكرِ الغُرَّةِ لدَلالتِها على الأُخرى.

وقيل: اقتَصَرَ على ذِكرِ الغُرَّةِ دونَ التَّحجيلِ؛ لأنَّ مَحلَّ الغُرَّةِ أشرَفُ أعضاءِ الوُضوءِ، وأوَّلُ ما يقَعُ عليه النَّظرُ مِن الإنسانِ، على أنَّ في رِوايةِ مُسلمٍ ذِكرَ الأمْرينِ، ولَفظُه: «فلْيُطِلْ غُرَّتَه وتَحجيلَه».