باب ما يؤمر به من القصد فى الصلاة

باب ما يؤمر به من القصد فى الصلاة

حدثنا عبيد الله بن سعد حدثنا عمى حدثنا أبى عن ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : أن النبى -صلى الله عليه وسلم- بعث إلى عثمان بن مظعون فجاءه فقال : « يا عثمان أرغبت عن سنتى ». قال : لا والله يا رسول الله ولكن سنتك أطلب. قال : « فإنى أنام وأصلى وأصوم وأفطر وأنكح النساء فاتق الله يا عثمان فإن لأهلك عليك حقا وإن لضيفك عليك حقا وإن لنفسك عليك حقا فصم وأفطر وصل ونم ».

لا ينبغي للمسلم أن يتكلف ما لا يطيق من العبادة، وعليه أن يبتعد عن الغلو متأسيا في ذلك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ أتقى الخلق وأخشاهم لله تعالى؛ فخير الهدي هديه
وفي هذا الحديث تخبر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها -كما جاء في رواية أبي داود-: "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى عثمان بن مظعون"، أي: أرسل إليه لما بلغه أنه يريد الانقطاع للعبادة، وتحريم النساء والطيب وغيرهما، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عثمان، أرغبت عن سنتي؟!"، أي: أكرهت هديي وطريقتي، وأردت الابتعاد عنها؟! وهو استفهام على سبيل الإنكار، وذلك لما بلغه أنه يريد الانقطاع للعبادة، وتحريم النساء والطيب وغيرهما، فبعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم وأنكر عليه عبادته كما عند أبي داود، وفي تلك الرواية قال عثمان بن مظعون رضي الله عنه: "لا والله يا رسول الله، ولكن سنتك أطلب" يعني: أنا أريد اتباع سنتك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فإني أنام وأصلي، وأصوم، وأفطر، وأنكح النساء" فأرشده صلى الله عليه وسلم إلى ألا يشدد على نفسه في العبادة، بل عليه أن يكون معتدلا متوسطا، يكون على قصد، فيصلي وينام، ويصوم ويفطر، ويتزوج النساء؛ وذلك لأن المتشدد لا يأمن من الملل بخلاف المقتصد؛ فإنه أمكن لاستمراره، وخير العمل ما داوم عليه صاحبه؛ "فاتق الله يا عثمان؛ فإن لأهلك عليك حقا" والمراد بالأهل الزوجة أو مما هو أعم من ذلك ممن تلزمه نفقته، وحقهم القيام بما لا بد لهم منه من أمور الدنيا والآخرة كالإنفاق عليهم وعشرتهم بالمعروف وتعليمهم أمور دينهم، "وإن لضيفك عليك حقا" يعني حق الإكرام والإيناس، "وإن لنفسك عليك حقا" وهو ما يحتاج إليه من الضروريات البشرية، وما أباحه الله تعالى من الأكل، والشرب، والراحة التي يقوم بها البدن؛ لتكون له عونا على عبادة الله تعالى، وأما إذا أجهد نفسه في الطاعة، وأدام الصيام والقيام وترك الملاذ ضعفت قوته؛ فلم يقدر على القيام بما ذكر، "فصم وأفطر" للتقوي على الصوم، "وصل، ونم" للتقوي على القيام، وهذا إرشاد نبوي للتوسط والاقتصاد في العبادة، وبيان أن سنته هي عدم التشدد