باب ما ينهى من السباب واللعن 7
بطاقات دعوية
عن المعرور قال: رأيت [أبا ذر بالربذة 1/ 13] عليه بردا، وعلى غلامه بردا، فقلت: لو أخذت هذا فلبسته كانت حلة، وأعطيته ثوبا آخر، (وفي رواية: حلة، وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك؟) فقال: كان بيني وبين رجل كلام (وفي رواية: ساببت رجلا، فعيرته بأمه)، وكانت أمه أعجمية، فنلت منها، فذكرني (وفي رواية: فشكاني 3/ 123) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال لي:
"أساببت فلانا؟ ". فقلت: نعم. قال:
"أفنلت من (وفي رواية: أعيرته بـ) أمه؟ ". قلت: نعم. قال:
"إنك امرؤ فيك جاهلية".
قلت على حين ساعتي: هذه من كبر السن؟ قال:
"نعم، هم إخوانكم [خولكم]، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا يكلفه من العمل ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه فليعنه عليه".
الإسلام دِينُ الأخلاقِ العاليةِ والآدابِ الساميةِ مع الناسِ كلِّهم حتى مع الخَدمِ، وهو دِينٌ لم يُفرِّقِ بيْنَ الناسِ ولم يُمايُزِ بيْنَهم بالأنسابِ ولا الأحسابِ، ولا بالعِرْقِ ولا باللَّونِ، وإنَّما التَّمايزُ بالتقوَى والعَملِ الصَّالحِ، وفي هذا الحَديثِ أنَّ أبا ذَرٍّ رَضيَ اللهُ عنه كان قدْ شَتَمَ رجُلًا وعيَّره بأُمِّه بقولِه: يا ابنَ الأعجميةِ أو يا ابنَ السوداءِ، أو نحوَ ذلِك، فلمَّا علِمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بذلِك وبَّخَه على ذلك وقال له مُنكِرًا عليه: «أعَيَّرْتَه بأُمِّه؟!» فشَتمْتَه ونَسَبْتَه إلى العارِ بأُمِّه؛ «إِنَّك امْرُؤٌ فيكَ جاهليَّةٌ» فالسبُّ والشتْمُ والتعييرُ صِفةٌ مِن صِفاتِ الجاهليَّةِ، وهذا زَجرٌ عن هذا الفِعلِ وتَقبيحٌ له.ثمَّ قال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُعلِّمًا ومُؤدِّبًا ومُعرِّفًا حقوقَ الخَدمِ: «إخوانُكم خَوَلُكم، جَعَلَهم اللهُ تَحتَ أيدِيكم»، أي: خَدَمُكم وعَبيدُكم الذين يَلُونَ أُمورَكم ويُصلِحونها مِن المُسلِمينَ هُم إخوانُكم في الدِّينِ، جَعَلَهم اللهُ سُبحانه وتعالَى تحتَ سُلطانِكم؛ «فمَنْ كان أَخوه تَحتَ يَدِه، فَلْيُطعِمْه مِمَّا يَأكُلُ، ولْيُلبِسْه ممَّا يَلبَسُ، ولا تُكلِّفوهم ما يَغلِبُهم، فإنْ كلَّفْتُموهم فَأَعينُوهم»، فلا تَطلُبوا منهم مِنَ العملِ ما لا يَستطيعونَ فِعلَه، فإنْ أَمَرتُموهم بشَيءٍ مِن ذلك فعليكم إعانتُهم. فلمَّا سَمِعَ أبو ذرٍّ رَضيَ اللهُ عنه هذا الحديثَ مِنَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُلبِسُ خادِمَه ثِيابًا مِثلَه، كما رآهُ المَعرورُ بنُ سُوَيْدٍ في الرَّبَذَةِ -وهو مَوضعٌ قَريبٌ مِنَ المدينةِ- عليه حُلَّةٌ، وهي ثَوبانِ: إزارٌ وَرِداءٌ، وعلى خادِمِه حُلَّةٌ؛ امتثالًا لِمَا سمِعَه مِنَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.وفي الحديثِ: تَقبيحُ أُمورِ الجاهليَّةِ وأخلاقِها، وأنَّها زائلةٌ بالإسلامِ.وفيه: الحثُّ على الإحسانِ إلى الرَّقيقِ والخَدَمِ ومَن في مَعناهم؛ كالأَجيرِ وغيرِه، والرِّفقِ بهم.وفيه: تَرْكُ التَّرفُّعِ على المُسلمِ واحتقارِه.وفيه: فَضيلةٌ ظاهرةٌ لأبي ذَرٍّ رَضيَ اللهُ عنه، وبيانٌ لحُسنِ استِجابتِه لأمْر النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.