باب مبدإ فرض الصيام
حدثنا أحمد بن محمد بن شبوية حدثنى على بن حسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوى عن عكرمة عن ابن عباس (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم) فكان الناس على عهد النبى -صلى الله عليه وسلم- إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وصاموا إلى القابلة فاختان رجل نفسه فجامع امرأته وقد صلى العشاء ولم يفطر فأراد الله عز وجل أن يجعل ذلك يسرا لمن بقى ورخصة ومنفعة فقال سبحانه (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم ). وكان هذا مما نفع الله به الناس ورخص لهم ويسر.
لما فرض الصيام على المسلمين في أول الأمر كان الوقت المسموح به للطعام والشراب هو بعد أذان المغرب إلى أذان العشاء فقط، وكان في ذلك مشقة كبيرة على المسلمين، فيسر الله عز وجل على المسلمين، وفسح لهم ذلك الوقت إلى طلوع الفجر، كما جاء في هذا الحديث، حيث يخبر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في قصة نزول آيات الصيام: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} [البقرة: 183] أي: فرض الله عليكم فريضة الصوم كما فرضها على الأمم قبلكم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "فكان الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلوا العتمة"، أي: العشاء، "حرم عليهم الطعام والشراب والنساء"، أي: امتنعوا عن الأكل والشرب وجماع الزوجات من أجل الصوم، "وصاموا إلى القابلة"، أي: وصاموا إلى الليلة التالية، وذلك من أذان العشاء حتى أذان المغرب في اليوم التالي، "فاختان رجل نفسه"، أي: خان رجل نفسه، والمراد: ظلم نفسه وأقدم على شيء قد منع منه، "فجامع امرأته"، أي: وقع عليها في الوقت المنهي عنه، "وقد صلى العشاء"، أي: بعد صلاة العشاء، "ولم يفطر"، أي: ولم يأكل ولم يشرب، وهذا إشارة إلى أنه أتى زوجته فقط، ولم يستبح لنفسه باقي ما نهي عنه، "فأراد الله عز وجل أن يجعل ذلك يسرا"، أي: أراد الله عز وجل أن يجعل ما فعله الرجل سببا للتيسير، "لمن بقي"، أي: للمسلمين جميعا، "ورخصة"، أي: وتخفيفا، "ومنفعة"، أي: نفعا وإفادة، فأنزل الله عز وجل قوله: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون} [البقرة: 187]، أي: فمد الله عز وجل الأكل والشرب وقرب النساء إلى طلوع الفجر، وليس إلى أذان العشاء
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "وكان هذا"، أي: ما كان من تيسير أمر الصيام وتخفيفه، "مما نفع الله به الناس"، أي: مما كان للناس فيه منفعة وفضل، "ورخص لهم ويسر"، أي: وخفف عنهم وسهل
وفي الحديث: بيان فضل الله تعالى في تيسير الصيام وتخفيفه على الأمة الإسلامية