باب مناقب الزبير بن العوام رضي الله عنه 1
بطاقات دعوية
عن مروان بن الحكم قال: أصاب عثمان بن عفان رضي الله عنه رعاف شديد سنة الرعاف (39)، حتى حبسه عن الحج، وأوصى، فدخل عليه رجل من قريش؛ قال: استخلف. قال: وقالوه؟ قال: نعم. قال: ومن؟ فسكت، فدخل عليه رجل آخر -أحسبه الحارث- فقال: استخلف. فقال عثمان: وقالوا؟ فقال: نعم. قال: ومن هو؟ فسكت، قال: فلعلهم قالوا: الزبير؟ قال: نعم. قال: أما والذي نفسي بيده؛ إنه لخيرهم ما علمت، وإن كان لأحبهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (وفي رواية: أما والله إنكم لتعلمون أنه خيركم. ثلاثا).
إنَّ مِن مَحاسِنِ شَريعَتِنا أنْ شَرَعت لأهْلِها ما يَنفَعُهم دِينًا ودُنْيا، حَياةً ومَوتًا؛ حِرصًا منها على إيصالِ النَّفعِ لهم، وصَونًا لحَقِّهم وحَقِّ غَيرِهم، ومِن ذلك مَشْروعيَّةُ الوَصيَّةِ.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي مَرْوانُ بنُ الحَكَمِ أنَّ الخَليفةَ عُثْمانَ بنَ عفَّانَ رَضيَ اللهُ عنه عندَما اشتَدَّ بِه الرُّعافُ في سَنةِ إحْدى وثَلاثينَ، والرُّعافُ: نَزفٌ شَديدٌ للدَّمِ منَ الأنْفِ، وهو نَوْعانِ: نَزفٌ خارِجيٌّ، ونَزفٌ داخِليٌّ، وقد يؤَدِّي إلى المَوتِ، وسُمِّيَت هذه السَّنةُ سَنةَ الرُّعافِ؛ لأنَّه صارَ للنَّاسِ فيها رُعافٌ كَثيرٌ. وظلَّ عُثْمانُ على هذه الحالةِ مِن المَرضِ حتَّى منَعَه الرُّعافُ عنِ الحَجِّ، وأوْصى الوَصيَّةَ الشَّرعيَّةَ في مالِه، وبما يَكونُ بعْدَ مَوتِه في الخِلافةِ؛ وذلك لأنَّه ظنَّ أنَّه مَرَضُ مَوتِه، فدَخَل عليه رَجلٌ مِن قُرَيشٍ، فنقَلَ له أنَّ النَّاسَ تَنصَحُه أنْ يَستَخلِفَ خَليفةً مِن بَعْدِه ويُسمِّيَه؛ لأهمِّيَّةِ هذا الأمْرِ في حَياةِ النَّاسِ، وعَظيمِ شأْنِه، فقال له عُثْمانُ رَضيَ اللهُ عنه: «وقالُوهُ؟!» أي: وقال النَّاسُ هذا! ثُمَّ دَخَل عليه الحارِثُ بنُ الحَكَمِ أخو مَرْوانَ بنِ الحَكَمِ، وصدَرَ منه مِثلُ ما صدَرَ مِن الرَّجلِ القُرَشيِّ، وكان دُخولُهما عليه بقَولٍ مِن النَّاسِ، وحَثٍّ منهم، فأرادَ عُثْمانُ رَضيَ اللهُ عنه أنْ يَعرِفَ رَأيَهم فيمَن يَستَخلِفُ مِن بَعدِه، فسَألَ الدَّاخِلَينِ عليه فسَكَتا، إلَّا أنَّ الحارِثَ بنَ الحَكَمِ أقَرَّ لعُثْمانَ بأنَّهم قالوا: الزُّبَيرُ بنُ العَوَّامِ، فأَثْنى عُثْمانُ على الزُّبَيرِ رَضيَ اللهُ عنهما بما علِمَ مِن خَيرِه وشَرفِه ومَقامِه في الإسْلامِ، ومِن مَكانَتِه مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ بأنَّ الزُّبَيرَ كان مِن خَيرِ الصَّحابةِ، وأحَبِّهم إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وفي قَولِهم وقَولِه دَليلٌ على أنَّ للزُّبَيرِ رَضيَ اللهُ عنه منَ الشَّرَفِ والمَقامِ في الإسْلامِ، بحيث تَسبِقُ الظُّنونُ إلى أنَّه هو المُستَخلَفُ بعْدَ عُثْمانَ رَضيَ اللهُ عنه.
وفي الحَديثِ: مَكانةُ الوَصيَّةِ في الإسْلامِ، واهْتِمامُ السَّلَفِ بها.
وفيه: حِرصُ عُثْمانَ رَضيَ اللهُ عنه على الاسْتِفادةِ مِن رَأيِ أهلِ الفَضلِ والشَّأنِ.
وفيه: شدَّةُ تَحرِّي وتَحرُّزِ عُثْمانَ في قَولِه: «ما عَلِمتُ»، أي: حسَبَ الَّذي بَلَغَه عِلْمي مِن خَيرِه وفَضلِه.