‌‌باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه1

سنن الترمذى

‌‌باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه1

حدثنا قتيبة قال: حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي، عن يزيد الرشك، عن مطرف بن عبد الله، عن عمران بن حصين، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السرية فأصاب جارية فأنكروا عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إذا لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه بما صنع علي، وكان المسلمون إذا رجعوا من السفر بدءوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه، ثم انصرفوا إلى رحالهم فلما قدمت السرية سلموا على النبي صلى الله عليه وسلم فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قام الثاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه، ثم قام إليه الثالث فقال مثل مقالته، فأعرض عنه، ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا، فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والغضب يعرف في وجهه، فقال: «ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إن عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن من بعدي». هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث جعفر بن سليمان

كان للصَّحابيِّ الجَليلِ علِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه مَكانةٌ جليلةٌ، ومنزلةٌ رفيعةٌ عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فهو زَوجُ ابنَتِه وأبو أحفادِه، مع سابِقَتِه في الإسلامِ، وله غَيرُ ذلك مِنَ المَناقِبِ، وهذا الحَديثُ يُوضِّحُ مَكانَتَه عِندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ حيث رَوى عِمرانُ بنُ حُصَينٍ رَضيَ اللهُ عنه: "بَعَثَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَريَّةً" وهي جُزءٌ مِنَ الجَيشِ، أو مَجموعةٌ مِنَ المُحارِبينَ في مُهِمَّةٍ مُعيَّنةٍ "واستَعمَلَ عليهم علِيًّا" قائِدًا لهم "قال: فمَضى علِيٌّ في السَّريَّةِ" فأنجَزَ ما طَلَبَه مِنه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "فأصابَ جاريةً" أخَذَها مِنَ الغَنائِمِ "فأنكَرَ ذلك عليه أصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"؛ لِأنَّهم ظَنُّوا أنَّه أخَذَ ما ليس مِن حَقِّه "فقالوا: إذا لَقينا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" إذا رَجَعْنا إلى المَدينةِ "أخبَرْناه بما صَنَعَ علِيٌّ، قال عِمرانُ: وكانَ المُسلِمونَ إذا قَدِموا مِن سَفَرٍ بَدَؤوا برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" فذَهَبوا إليه أوَّلًا "فسَلَّموا عليه ونَظَروا إليه، ثم يَنصَرِفونَ إلى رِحالِهم" وهي خيامُهم ومَواضِعُ إقامَتِهم "فلَمَّا قَدِمتِ السَّريَّةُ سَلَّموا على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقامَ أحَدُ الأربَعةِ فقال: يا رَسولَ اللهِ، ألم تَرَ أنَّ علِيًّا صَنَعَ كذا وكذا" فذَكَرَ له أمْرَ أخْذِه الجاريةَ "فأعرَضَ عنه" رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "ثم قامَ آخَرُ، فقال: يا رَسولَ اللهِ، ألم تَرَ أنَّ علِيًّا صَنَعَ كذا وكذا؟ فأعرَضَ عنه، ثم قامَ آخَرُ فقال: يا رَسولَ اللهِ، ألم تَرَ أنَّ علِيًّا صَنَعَ كذا وكذا" فكُلُّهم يُخبِرُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بما فَعَلَه علِيٌّ؛ لِأنَّهم ظَنُّوا أنَّه أصابَ إثْمًا. وهذه الجاريةُ أخَذَها علِيٌّ رَضيَ اللهُ عنه مِن حَقِّه في سَهمِ ذَوي القُربى، كما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لِبُرَيدةَ في رِوايةِ البُخاريِّ "فإنَّ له في الخُمُسِ أكثَرَ مِن ذلك"، وكان قد فَوَّضَ إليه النَّبيُّ صَلَّى اللهُ تَعالى عليه وعلى آلِهِ وسَلَّمَ صَرفَه على مُستَحِقِّيه، وكان على مَن أساؤوا الظَنَّ به أنْ يَتبَيَّنوا الأمْرَ قَبلَ شِكايَتِهم، ولذا تَغيَّرَ وَجهُه صَلَّى اللهُ تَعالى عليه وعلى آلِه وسَلَّمَ "فأقبَلَ إليه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والغَضَبُ يُعرَفُ في وَجهِه" لِمَا رآه منهم مِن إصرارِهم على أنْ يُوغِروا صَدرَه على علِيٍّ رَضيَ اللهُ عنه "فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما تُريدونَ مِن علِيٍّ -ثَلاثًا-؛ إنَّ علِيًّا مِنِّي وأنا منه"، أي: في النَّسَبِ والمُصاهَرةِ والمَحبَّةِ وغَيرِ ذلك مِنَ المَزايا، لا في مَحضِ القَرابةِ، وإلَّا فغَيرُه مُشارِكٌ له فيها؛ فهو ابنُ عَمِّه، وزَوجُ ابنَتِه، وأيضًا مِن أحَبِّ الناسِ إليه، ومِن أسبَقِ الصَّحابةِ دُخولًا في الإسلامِ، أسلَمَ وهو صَبيٌّ صَغيرٌ، وتَنفيذًا لِأوامِرِ اللهِ سُبحانَه وتَعالى، وصارَ بَعدَ ذلك رابِعَ الخُلَفاءِ الرَّاشِدينَ "وهو وَليُّ كُلِّ مُؤمِنٍ بَعدي"، أي: حَبيبُه، أو ناصِرُه، أو مُتوَلِّي أمْرِه، وهو مِنَ المُوالاةِ، والمُرادُ بها: النُّصرةُ والمَحبَّةُ والتأييدُ، والمَقصودُ أنَّ علِيًّا حَبيبُ كُلِّ مُؤمِنٍ مِن بَعدي، وناصِرُ المُؤمِنينَ، ومُؤيِّدُهم، وهو إشارةٌ إلى قَولِ اللهِ تَعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} [المائدة: 55]، وكُلُّ مَن أحَبَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ووالَاه في الدُّنيا والآخِرةِ، فعلِيٌّ حَبيبُه ومَولاه أيضًا.

وفي الحَديثِ: مَنقبةٌ ظاهرةٌ لِعلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه.