باب: ومن سورة الحجرات1
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال: حدثنا نافع بن عمر بن جميل الجمحي قال: حدثني ابن أبي مليكة، قال: حدثني عبد الله بن الزبير: " أن الأقرع بن حابس، قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: يا رسول الله استعمله على قومه، فقال عمر: لا تستعمله يا رسول الله، فتكلما عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى ارتفعت أصواتهما، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي، فقال عمر: ما أردت خلافك قال: فنزلت هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} [الحجرات: 2] " قال: «فكان عمر بن الخطاب، بعد ذلك إذا تكلم عند النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمع كلامه حتى يستفهمه». قال: «وما ذكر ابن الزبير جده، يعني أبا بكر»: «هذا حديث حسن غريب، وقد رواه بعضهم عن ابن أبي مليكة، مرسلا ولم يذكر فيه عن عبد الله بن الزبير»
مَحبَّةُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَقْتَضي تَوْقيرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، واحْتِرامَه، وتَعْظيمَه، في حَياتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبعْدَ وَفاتِه، وقدْ جاءَت آياتٌ في القُرآنِ الكَريمِ تُنبِّهُ على ذلك الأمرِ للأُمَّةِ بالأدَبِ معَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في جَميعِ الجَوانبِ، وجَميعِ الاعْتِباراتِ.
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي عبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيرِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه جاءَ رَكْبٌ مِن بَني تَميمٍ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان قُدومُهم سَنةَ تِسعٍ مِن الهِجْرةِ، وبَنو تَميمٍ همْ قَبيلةٌ عَربيَّةٌ سكَنَت مِنطَقةَ نَجدٍ، والرَّكبُ همْ أصْحابُ الإبلِ في السَّفرِ، فأشارَ أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَجعَلَ القَعْقاعَ بنَ مَعبَدِ بنِ زُرارةَ رَضيَ اللهُ عنه أميرًا عليهم، فقال عُمَرُ: بلْ أمِّرِ الأقرَعَ بنَ حابسٍ، فقال أبو بَكرٍ لعُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنهما: «ما أردْتَ إلَّا خِلافي» يَعني: لا تَقصِدُ إلَّا أنْ تُخالفَ قَوْلي، فقال عُمَرُ لأبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنهما: «ما أردْتُ خِلافَكَ»، فتَجادَلَا حتَّى ارتَفعتْ أصْواتُهما في حُضورِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فنزَلَ في ذلك الأمرِ قَولُه تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات: 1]، أي: لا تَقْطَعوا أمرًا إلَّا بعْدَ ما يَحكُمُ اللهُ ورَسولُه ويَأْذَنانِ فيه، فتَكونوا إمَّا عامِلينَ بالوَحيِ، وإمَّا مُقتَدينَ برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي رِوايةٍ في البُخاريِّ أنَّ الآيةَ الَّتي أُنزِلتْ هي قولُ اللهِ تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} [الحجرات: 2] الآيَةَ.
ويُجمَعُ بيْنهما أنَّ الآيَتَين نَزَلَتَا معًا فذَكَرَ في كلِّ رِوايةٍ إحْداهما.
وفي الحَديثِ: النَّهيُ عنِ السَّبقِ، والتَّقدُّمِ بالقَولِ والرَّأيِ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وضَرورةُ انْتِظارِ أمْرِه وحُكمِه في كلِّ الأُمورِ، ويَنطَبِقُ هذا على سُنَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعْدَ مَماتِه.
وفيه: أنَّ الفاضِلَ قدْ يَبدُرُ منه بعضُ الهَفَواتِ، ولكنَّه يُبادِرُ إلى التَّوبةِ.