‌‌باب: ومن سورة الحجرات2

سنن الترمذى

‌‌باب: ومن سورة الحجرات2

حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث قال: حدثنا الفضل بن موسى، عن الحسين بن واقد، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب، في قوله تعالى: {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون} [الحجرات: 4] قال: قام رجل فقال: يا رسول الله إن حمدي زين وإن ذمي شين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ذاك الله عز وجل». «هذا حديث حسن غريب»

كان الأعرابُ يَأْتون النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فيُنادونه وهو داخِلَ بُيوتِه، فنَهاهم اللهُ عن ذلك، وأمَرَهم بانتِظارِه حتَّى يَخرُجَ إليهم دونَ أن يُنادوه.
وفي هذا الحَديثِ: أنَّ الصَّحابيَّ الجليلَ البَرَاءَ بنَ عازبٍ يَقولُ في سَببِ نُزولِ قولِه تعالى: "{إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [الحجرات: 4]"، أي: إنَّ الَّذين يُنادونك يا رسولَ اللهِ، وأنت ماكِثٌ في غُرَفِك وبُيوتِك مع زَوجاتِك ولا يَنتظِرونك حتَّى تَخرُجَ إليهم، فأكثرُ هؤلاء خِفَافُ العَقلِ، وبهم سَفَهٌ ولا يَعقِلون الأمورَ، وحُجراتٌ جمعُ حُجْرةٍ، والمقصودُ بها بيوتُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "قال"، أي: البَرَاءُ بنُ عازِبٍ: "فقام رجلٌ فقال: يا رسولَ اللهِ"، أي: فجاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فناداه وهو في بيتِه، فلمَّا خرجَ إليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال الرَّجلُ له: "إنَّ حَمْدي زَينٌ"، أي: إنَّني إذا مدَحتُ أحَدًا فقد نال شرَفَ مَدْحي وثَنائي عليه؛ فأنا ذو مَكانةٍ في قومي؛ فمَن مدَحتُه فهو الممدوحُ! "وإنَّ ذَمِّي شَينٌ"، أي: وإذا ذمَمتُ أحَدًا فقد ناله مِن السُّوءِ ما يَكْفي؛ فأنا ذو مكانةٍ في قومي، ومَن ذمَمتُه فهو المذمومُ! "فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: ذاك اللهُ عزَّ وجلَّ"، أي: إنَّ الَّذي يتَّصِفُ بِهاتَين الصِّفتَين هو اللهُ عزَّ وجلَّ وحْدَه؛ فهو سبحانه فقط مَن مَدْحُه زَينٌ وذَمُّه شَينٌ، ومَن مَدَحه اللهُ فهو الممدوحُ حقًّا، ومَن ذمَّه اللهُ فهو المذمومُ حقًّا، وهذا مِن تصحيحِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم للمفاهيمِ الجاهليَّةِ الخاطئةِ، والمعنى: أنَّ قولَ اللهِ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [الحجرات: 4] نَزَل حينما جاء ذلك الرَّجُلُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، وناداه وهو في بيتِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فلمَّا خرَج إليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال له ما قال.
وفي الحديثِ: تَبجيلُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وعدَمُ رفْعِ الصَّوتِ في حَضرتِه؛ وذلك إذا كان حيًّا، وبعدَ مَماتِه يَكونُ باتِّباعِ هَدْيِه وسُنَّتِه وما جاء به وعدَمِ تَجاوُزِه.
وفيه: بيانُ أنَّ صاحِبَ المدحِ الحقِّ والذَّمِّ الحقِّ هو اللهُ وحدَه عزَّ وجلَّ.