باب: ومن سورة القمر5
سنن الترمذى
حدثنا أبو كريب، وأبو بكر بندار، قالا: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن زياد بن إسماعيل، عن محمد بن عباد بن جعفر المخزومي، عن أبي هريرة، قال: " جاء مشركو قريش يخاصمون النبي صلى الله عليه وسلم في القدر فنزلت {يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر} [القمر: 49] ": «هذا حديث حسن صحيح»
قَدَّر اللهُ سُبحانه وتَعالَى مَقاديرَ كلِّ شَيءٍ، وكَتَب على ابنِ آدَمَ حَظَّه في الدُّنيا والآخرةِ قبْلَ أنْ يَخلُقَه، وهي كِتابةُ عِلمٍ وإحاطةٍ بما سيَكونُ، وليْست كِتابةَ جَبرٍ وإكراهٍ، وقدْ أمَرَ سُبحانه الخلْقَ بأنْ يَعمَلوا وَفْقَ شرائعِه، ويَسَّر الأمورَ لهم، وخُيِّروا بيْنَ الإيمانِ باللهِ فيَسْعَدوا، أو الكفرِ والعِصيانِ فيَشْقُوا.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أَبو هُريرَةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ مُشركي قُرَيشٍ جاؤُوا يُجادِلون رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في القَدَرِ، طالِبينَ بذَلك تَرْكَ الأَعمالِ، مُرِيدين بخَوضِهم في ذلكَ الفِتنَةَ، لا التِماسَ الحقِّ؛ فأَنزلَ اللهُ عَزَّ وجلَّ: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} الَّتي هيَ أَشرَفُ ما بِهم منَ الأَعضاءِ، وأَلَمُها أَشدُّ مِن أَلمِ غَيرِها، فيُهانونَ بذلكَ ويُخْزَونَ، ويُقالُ لهم: {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} أي: ذوقوا أَلَمَ النَّارِ وغَيظَها ولَهَبَها، {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 48- 49]، وهَذا شاملٌ للمَخلوقاتِ والعَوالِم العُلويَّةِ والسُّفليَّةِ؛ فإنَّ اللهَ تَعالَى وحدَه خَلقَها لا خالقَ لَها سِواه، وَلا مُشاركَ لَه في خَلقِها، وخَلقُها بقَضاءٍ سَبقَ بِه عِلمُه، وَجَرى بِه قَلمُه، بوَقتِها ومِقدارِها، وجَميعِ ما اشتَمَلَت عليهِ مِنَ الأَوصافِ، وذلكَ عَلى اللهِ يَسيرٌ.
وفي الحديثِ: إثباتُ القدَرِ وأنَّه عامٌّ في كلِّ شَيءٍ.
وفيهِ: سَببُ نُزولِ قَولِه تَعالَى: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ..} مِن سورَةِ القَمرِ.