عدة المختلعة 1
سنن النسائي
أخبرنا أبو علي محمد بن يحيى المروزي، قال: أخبرني شاذان بن عثمان، أخو عبدان، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، قال: أخبرني محمد بن عبد الرحمن، أن الربيع بنت معوذ بن عفراء، أخبرته: أن ثابت بن قيس بن شماس ضرب امرأته فكسر يدها، وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي، فأتى أخوها يشتكيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ثابت فقال له: «خذ الذي لها عليك وخل سبيلها»، قال: نعم، فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتربص حيضة واحدة، فتلحق بأهلها
شرَع اللهُ عزَّ وجلَّ الطَّلاقَ والخُلعَ بين الزَّوجين إنِ استحالَتِ العِشرةُ بالمعروفِ بينَهما
وفي هذا الحديثِ تُخبِرُ الرُّبَيِّعُ بنتُ مُعوِّذِ بنِ عَفْراءَ رَضِي اللهُ عَنها: "أنَّ ثابِتَ بنَ قَيسِ بنِ شَمَّاسٍ ضرَبَ امْرأَتَه"، أي: زَوجتَه، "فكَسَر يدَها، وهي جَميلةُ بنتُ عبدِ اللهِ بنِ أُبيٍّ، فأَتى أخوها يَشتَكيه إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: أَخبَر النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بما فعَله ثابِتُ بنُ قَيسٍ مع أُختِه، "فأَرْسل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم إلى ثابِتٍ فقال له: خُذِ الَّذي لها عليك وخَلِّ سَبيلَها"، أي: ما دفَعْتَه لها مِن المَهرِ والصَّداقِ وفارِقْها، فقال ثابِتٌ رَضِي اللهُ عَنه ملبِّيًا لأَمرِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "نَعمْ"، قالت الرُّبيِّعُ: "فأَمَرَها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أن تترَبَّصَ حَيضةً واحِدةً"، أي: أن تَعتدَّ بحَيضَةٍ، "فتَلْحَقَ بأَهلِها"، أي: تَرجِعَ إليهم، وهذا كِنايةٌ عن أنَّها يَحِقُّ لها الزَّواجُ بتِلك الحَيضَةِ؛ فالخُلعُ فَسْخٌ بائنٌ لا طَلاقٌ، سواءٌ أَوقَعَه بلَفظِ الفَسْخِ، أو الطَّلاقِ، أو الخُلعِ، أو الفِداءِ، أو غيرِ ذلك، والمختلِعةُ تَعْتَدُّ بحَيضةٍ واحِدةٍ؛ لأنَّه لا رَجْعةَ لها، فتَكْفي حَيضةٌ للعِلمِ ببَراءةِ رَحِمِها كالاستِبْراءِ
والخُلعُ يَحصُلُ بمُوافَقَةِ الزَّوجين؛ لأنَّ المرأةَ فيه هي الباذِلَةُ للمالِ، ولا يَجوزُ حَملُها على دَفعِ مالِها في الخُلعِ بغيرِ رِضاها، كما أنَّ الرَّجلَ هو المالِكُ للعِصْمةِ، ولا يَصِحُّ حَمْلُه على تَركِها بغَيرِ رِضاه، وقد أَمَر اللهُ ببَعثِ حَكَمَين للإصلاحِ بينَ الزَّوجينِ، فقال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35]، ومِثْلُ هذا ما إذا تَضرَّرَتِ المرأةُ بالبقاءِ في حِبالِ الزَّوجِ وكَرِهَتْه، فللإمامِ أو القاضي حِينَئذٍ أنْ يُوقِعَه عليه إذا ثبَتَ لدَيه بالقرائنِ حاجَةُ الزَّوجةِ إليه، وليس للمرأةِ أنْ تُسارِعَ إلى الخُلعِ دونَ سبَبٍ؛ فقد قال النبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ المُختلِعاتِ والمنتزِعاتِ هنَّ المنافِقاتُ"، أي: إنَّ اللَّاتي يَطلُبْنَ الخُلعَ والطَّلاقَ مِن أزواجِهنَّ لغيرِ عُذرٍ هنَّ مُنافقاتٌ نفاقًا عمَليًّا