‌‌ما جاء في افتراق هذه الأمة2

سنن الترمذى

‌‌ما جاء في افتراق هذه الأمة2

حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا أبو داود الحفري، عن سفيان الثوري، عن عبد الرحمن بن زياد الأفريقي، عن عبد الله بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة»، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: «ما أنا عليه وأصحابي»: «هذا حديث مفسر غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه»

أمَر اللهُ عزَّ وجلَّ بالاعتِصامِ بكِتابِه وبسُنَّةِ نبيِّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم؛ حتَّى يأمَنَ المسلِمُ مِن الفِتنِ، وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ليَأتِيَنَّ على أمَّتي"، أي: يأتي عليهم زَمانٌ ووقتٌ، "ما أتى على بَني إسرائيلَ"، أي: مِثْلُ الَّذي أتى على بَني إسرائيلَ، أو أنَّه سيَقَعُ فيهم مِن الفِتنِ مِثلُ الَّذي وقَع في أمَّةِ بَني إسرائيلَ، "حَذْوَ النَّعلِ بالنَّعلِ"، أي: هذا كِنايةٌ عن المُماثَلةِ والمطابَقةِ لِمَا حدَث في زَمانِهم، "حتَّى إنْ كان مِنهم"، أي: مِن بَني إسرائيلَ، "مَن أتى أمَّه علانيةً"، أي: وقع على أمِّه ووالدتِه، وزَنا بها جهرًا، "لكان في أمَّتي مَن يَصنَعُ ذلك"، أي: لكان في أمَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مَن يَفعَلُ بمِثلِ فِعْلِهم، "وإنَّ بَني إسرائيلَ تفَرَّقَت على ثِنْتَين وسَبعين مِلَّةً"، أي: انقَسَموا إلى اثنتَينِ وسَبعين فِرقةً والمرادُ بهم النَّصارى؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قد قال في أحاديثَ أُخرى: إنَّ اليهودَ افتَرَقَت على إحْدَى وسَبعين فِرقةً، "وتَفترِقُ أمَّتي على ثلاثٍ وسَبعين مِلَّةً"، أي: حتَّى إنَّ أمَّتَه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ستَفترِقُ بمِثلِ ما افتَرقَت عليه بَنو إسرائيلَ، بل وتَزيدُ عليهم بواحدةٍ، "كلُّهم في النَّارِ"، أي: إنَّ تلك الفِرَقَ الَّتي ستَنشَأُ وتتَكوَّنُ في تلك الأمَّةِ هم مَن يُخالِفُ أهلَ الحقِّ في أصولِ التَّوحيدِ وفي تقديرِ الخيرِ والشَّرِّ، فيكونُ جَزاؤُهم بذلك النَّارَ، "إلَّا مِلَّةً واحِدةً"، أي: فِرقةً واحدةً، هي الَّتي تَدخُلُ الجنَّةَ، قال الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عَنهم: "مَن هي يا رسولَ اللهِ؟"، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ما أنا عليه وأصحابي"، أي: إنَّ الفِرْقةَ النَّاجيةَ بينَ هؤلاءِ هي التي ستَتَّبِعُ مَنهَجَ النبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وأصحابِه رضِيَ اللهُ عنهم وتَتمسَّكُ بالأمرِ الأوَّلِ الذي كانوا عليه في أُمورِ الدِّين والعَقيدةِ، وهم أهلُ العِلمِ والفِقهِ الَّذين اجتمَعوا على اتِّباعِ آثارِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، واعتَصَموا بالكتابِ والسُّنَّةِ، ومَن تَبِعهم مِن الأمَّةِ على ذلك.
وفي هذا الحديثِ: عَلامةٌ مِن علاماتِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وفيه: تحذيرٌ مِن اتِّباعِ بَنِي إسرائيلَ، وتَرْكِ الاعتصامِ بكتابِ اللهِ وسُنَّةِ نبيِّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.