حدثنا الحسن بن عرفة قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن أبي عمرو السيباني، عن عبد الله بن الديلمي، قال: سمعت عبد الله بن عمرو، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله عز وجل خلق خلقه في ظلمة، فألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضل، فلذلك أقول: جف القلم على علم الله ": «هذا حديث حسن»
الهِدايةُ والضَّلالُ بيدِ اللهِ تعالى بحسَبِ عدلِه وحِكمتِه سبحانه؛ فمَن كتَب اللهُ له الهِدايةَ بفَضْلِه اهتَدى، ومَن كتَب عليه الضَّلالةَ بعَدْلِه ضلَّ، وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ خلَق خَلْقَه في ظُلمَةٍ"، "فمَن أصابه"، أي: وقَع عليه، "مِن ذلك النُّورِ اهتدى"، أي: كان ذلك النُّورُ سببًا في هِدايَتِه مِن تِلك الظُّلمةِ الَّتي خُلِق فيها، "ومَن أخطَأه"، أي: ومَن لم يُصِبْه ذلك النُّورُ، "ضلَّ"، أي: بَقِي في ظُلمتِه وشَهواتِه الَّتي تُبعِدُه عن طريقِ الهدايةِ، وقيل: المرادُ بالنورِ ما نَصَب اللهُ للخلقِ مِن الشواهدِ والحُجج، وما أنزل إليهم من الآياتِ والنُّذر؛ لهدايتهم؛ إذ لولا ذلك لبَقُوا في ظلماتِ الضَّلالةِ والجهالةِ، والمراد بإصابةِ النورِ الاعتبارُ بالحُججِ والشواهدِ والانتفاعُ بها؛ فمَن شاءَ اللهُ هدايتَه وشاهدَ حُججَه واعتبَر بآياتِه واستدلَّ بشَواهدِه بالنظرِ الصَّحيحِ؛ فهو الذي أصابَه ذلك النورُ، فخَلَص من تلك الظُّلمةِ واهتدَى، ومَن لم يشأَ هدايتَه فعَمِي عن آياته، فهو الذي حُرِمَ من ذلك النورِ وبقِيَ في الظلماتِ متحيرًا، كما قال تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر: 22].
قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فلِذلك أقولُ"، أي: بسَببِ عدَمِ تغيُّرِ ما جَرى تقديرُه مِن الإيمانِ والطَّاعةِ، والكفرِ والمعصيةِ: "جفَّ القلَمُ"، أي: فرَغ مِن الكتابةِ الَّتي أُمِر بها حينَ خَلَقه اللهُ عزَّ وجلَّ وأمَره أن يَكتُبَ ما هو كائنٌ إلى يومِ القيامةِ، "على عِلمِ اللهِ"، أي: على ما حَكَم اللهُ عزَّ وجلَّ به في الأزَلِ على عِبادِه.
وفي الحديثِ: أنَّ الهدايةَ والضلالةَ بمشيئةِ اللهِ وتَقديرِه في الأزَلِ، وأنَّ إصابةَ الهُدَى إنَّما هو بمشيئةِ اللهِ وتوفيقِه، وبإلقاءِ نورِ الهدايةِ في قلب العَبدِ، وليس العبدُ مستقلًّا بإصابةِ الهُدَى.