مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه162
مسند احمد
حدثنا يحيى بن سعيد، عن هشام، أخبرنا قتادة، عن داود السراج، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة " (1)
أمْرُ الزِّينةِ واللِّباسِ في الإسلامِ واضحٌ في كِتابِ اللهِ عزَّ وجَلَّ وسُنَّةِ نَبيِّه صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وقدْ قرَّرَ الشَّرعُ أُمورًا عامَّةً، يجِبُ أنْ تُراعَى في هَيئةِ الثِّيابِ للرِّجالِ والنِّساءِ.
وفي هذا الخَبرِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عامرِ بنِ رَبيعةَ: "دخَلَ ابنُ عوفٍ" وهو عبدُ الرَّحمنِ بنُ عوفٍ الأنصاريُّ الصَّحابيُّ الجليلُ، "على عمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما وعليه قَميصُ حَريرٍ"، أي: لابسًا قَميصًا مِن الحريرِ، فقال عمَرُ رضِيَ اللهُ عنه: "ذُكِرَ لي"، أي: ذُكِرَ لي عن رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "أنَّه مَن لَبِسَ الحَريرَ في الدُّنيا لم يَلْبَسْه في الآخرةِ"، وهذا المنعُ المفهومُ مِن كلامِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَحمولٌ على مَنْعِ الرِّجالِ مِن لُبْسِ الحَريرِ في الدُّنيا؛ لأنَّ مَن لَبِسَه وتمتَّعَ به في الدُّنيا يُخافُ عليه؛ لأنَّه لنْ يَلْبَسَه في الآخِرةِ، وهذا فيه تَحذيرٌ شَديدٌ؛ لأنَّ الحريرَ هو لِباسُ أهلِ الجَنَّة، فكأنَّ مَن لم يَلبَسْه في الآخرةِ فليس مِن أهلِ الجَنَّةِ؛ إمَّا لِحِرْمانهِ مِنَ الجنَّةِ إنْ كان مُستحِلًّا لذلك، أو لأنَّه يَدخُلُ الجنَّةَ، ولكنَّه يُحْرَمُ منه فيها عُقوبةً له، وأمَّا النِّساءُ فلا حُرمةَ ولا حَرجَ عليهنَّ في لبسِ الحَريرِ في الدُّنيا؛ فغيرُ داخلاتٍ في هذا الأمرِ.
قال عبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ رضِيَ اللهُ عنه: "إنِّي لَأرْجو أنْ ألْبَسَه في الدُّنيا والآخِرةِ"، وهذا الرَّجاءُ منه؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان قد أذِنَ لعبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ وللزُّبيرِ بنِ العوَّامِ رضِيَ اللهُ عنهما في لُبْسِ الحَريرِ؛ بسبَبِ حكَّةٍ وجرَبٍ كان بهما، كما في الصَّحيحينِ مِن حديثِ أنَسٍ رضِيَ اللهُ عنه.
وقد وردَ في الرِّواياتِ الصَّحيحةِ ما يَدلُّ على صِحَّةِ على أنَّ الرِّجالَ يُسمَحُ لهم ببَعضِ الحريرِ في الثِّيابِ بما لا يُجاوِزُ عَرْضُه إصْبَعينِ إلى أربعِ أصابعَ تُتَّخَذُ أعلامًا، وحاشيةً للثِّيابِ. وأنَّ النِّساءَ ليس عليهنَّ شيءٌ في لُبْسِ الحَريرِ.