مسند جابر بن عبد الله رضي الله عنه 777
مسند احمد
حدثنا أزهر بن القاسم الراسبي، بمكة وكثير بن هشام، قالا: حدثنا هشام، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع النخل حتى يطعم»
مَنْعُ الغِشِّ في البُيوعِ وقَطْعُ النِّزاعِ والخُصومةِ بين البائعِ والمُشتَرِي: مَقصِدٌ مِن المَقاصِدِ الشَّرعيَّةِ؛ ولذلك نَهَى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن بَعضِ البُيوعِ التي تُؤدِّي إلى وُقوعِ الغِشِّ والخِدَاعِ، ويَترتَّبُ عليها الخُصومةُ بين البائِعِ والمُشتَرِي
ومِن تلك البُيوعِ: ما في هذا الحديثِ، وفيه نَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "عن بَيعِ الثَّمَرِ حتى يُطعَمَ"، أي: حتى يَبْدُوَ صَلاحُه، ويَصيرَ طَعامًا يَطيبُ أكْلُه؛ بأنْ يَظهَرَ ثَمَرُه وتَظهَرَ الحُمرَةُ أو الصُّفرَةُ، "وقال: لا يُباعُ شَيءٌ منه إلَّا بالدَّراهِمِ والدَّنانيرِ"، أي: لا يُباعُ الثَّمَرُ الناضِجُ بثَمَرٍ قَديمٍ، كأنْ يُباعَ الرُّطَبُ بعدَ بُدُوِّ صَلاحِه بتَمْرٍ جافٍّ، بل يُباعُ بالدِّينارِ والدِّرهَمِ، "إلَّا العَرايا؛ فإنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أرخَصَ فيها" والعَرايا: نَوعٌ مِن أنواعِ البُيوعِ التي أُذِنَ فيها للحاجةِ تيسيرًا على المُسلِمينَ، فيَشتري الرجُلُ ثمرًا في النَّخلِ؛ لكي يأكُلَه ويُطعِمَه عِيالَه، وليس معه نُقودٌ، فيَدفعُ تمرًا مَعَه أقلَّ قِيمةً مِن الثَّمرِ الذي سيَشتريه، مِثْلُ أنْ يَبيعَ الرُّطَبَ على النَّخلِ بالزَّبيبِ، فيُعْطَى قَدْرَه مِنَ القَديمِ، بِشَرطِ ألَّا تَزيدَ على خَمسَةِ أَوسُقٍ مع التَّقابُضِ في مَجلِسِ العَقْدِ؛ وسُمِّيَ ببَيعِ العَرايا؛ لأنَّ النَّخلةَ يُعطيها مالكُها لرَجُلٍ مُحتاجٍ، أي: يَعرُوها له، وكانتِ العَرَبُ في الجَدْبِ يَتطوَّعُ أهلُ النَّخْلِ بذلك على مَن لا ثَمَرَ له، كما يَتَطوَّعُ صاحِبُ الشَّاةِ أو الإبلِ بالمَنيحَةِ، وهي عَطيَّةُ اللَّبَنِ دُونَ الرَّقَبَةِ