‌‌مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه 137

‌‌مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه 137

حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الخليل، عن علي، قال: سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت: أيستغفر الرجل لأبويه وهما مشركان؟ فقال: أولم يستغفر إبراهيم لأبيه؟ فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} [التوبة: 113] إلى قوله: {تبرأ منه} [التوبة: 114] قال: " لما مات " (1)

الشِّركُ أعظمُ الذُّنوبِ، وقد بَيَّن اللهُ أنَّه لا يَغفِرُه لِمَن ماتَ عليه، وليس مِن الإيمانِ أنْ يَطلُبَ المؤمِنُ المغفرةَ لأحدِ أقرِبائِه وهو مُشرِكٌ؛ لأنَّ طلَبَ المغفرةِ لهم يَكونُ فيه ارتِكابٌ لِما نَهى اللهُ عزَّ وجلَّ عنه.


وفي هذا الحَديثِ يقولُ عليٌّ رَضِي اللهُ عَنه: سَمِعتُ رجلًا "يَستغفِرُ لأبوَيه"، أي: يَطلُبُ مِن اللهِ المغفرةَ لأبيه وأُمِّه "وهما مُشرِكان"، أي: ماتا على الشِّركِ ولم يَدخُلَا في الإسلامِ،

فقلتُ له: "أتَستغفِرُ"، أي: تَسأَلُ اللهَ أن يَغفِرَ

"لأَبَوَيك وهما مُشرِكان؟"، أي: تعَجَّبتُ مِنِ استِغْفارِه لِوالِدَيه، وهُما لَيسَا مِن أهلِ الإسلامِ؛

فإنَّ شِرْكَهما يتَنافى معَ طلَبِ المغفرةِ لهما؛ لأنَّ الاستِغْفارَ ليس يَنفَعُهم شيئًا،

فقال الرَّجلُ: "أوَلَيس استغفَر إبراهيمُ لأبيه"، أي: كان ردُّه لي على سُؤالي له أنَّ إبراهيمَ عليه السَّلامُ طلَبَ مِن اللهِ أن يَغفِرَ لأبيه "وهو مُشرِكٌ"، أي: وكان أبوه غيرَ مُوحِّدٍ باللهِ ومات مُشرِكًا، "فذَكَرتُ ذلك للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: فأخبَرتُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ما قال لي الرَّجلُ، فنزلَتْ هذه الآيةُ: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا}، أي: ليس للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ومَن آمَنَ باللهِ {أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113]،

أن يَدْعوا بالمغفِرَةِ لِمَن مات على الشِّركِ ولم يَدخُلِ الإسلامَ.


وقد قال اللهُ مُبيِّنًا موقِفَ إبراهيمَ في استِغْفارِه لأبيه، فقال: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ} [التوبة: 114]، فدَعَا له وهو يَرْجو إجابتَه ورُجوعَه إلى الإيمانِ، "فلمَّا تبيَّن له أنَّه عدوُّ اللهِ تبَرَّأ مِنه".


وفي الحَديثِ: سُؤالُ الصَّحابةِ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فيما استَشكَل عليهم مِن المسائلِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ أن يُدْعى لكلِّ مَن يُرْجَى إنابتُه بالهدايةِ ما دام حيًّا، فإنْ مات على الكُفرِ تُرِك الدُّعاءُ والاستِغْفارُ له.