باب في صلاة الكسوف
سنن الترمذى
حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن طاوس، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه «صلى في كسوف، فقرأ ثم ركع، ثم قرأ ثم ركع ثم قرأ، ثم ركع ثلاث مرات، ثم سجد سجدتين، والأخرى مثلها» وفي الباب عن علي، وعائشة، وعبد الله بن عمرو، والنعمان بن بشير، والمغيرة بن شعبة، وأبي مسعود، وأبي بكرة، وسمرة، وأبي موسى، وابن مسعود، وأسماء بنت أبي بكر، وابن عمر، وقبيصة الهلالي، وجابر بن عبد الله، وعبد الرحمن بن سمرة، وأبي بن كعب: «حديث ابن عباس حديث حسن صحيح» وقد روي عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه «صلى في كسوف أربع ركعات في أربع سجدات» وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق. واختلف أهل العلم في القراءة في صلاة الكسوف، فرأى بعض أهل العلم: أن يسر بالقراءة فيها بالنهار، ورأى بعضهم: أن يجهر بالقراءة فيها، كنحو صلاة العيدين والجمعة، وبه يقول مالك، وأحمد، وإسحاق: يرون الجهر فيها قال الشافعي: لا يجهر فيها وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كلتا الروايتين: صح عنه أنه صلى أربع ركعات في أربع سجدات، وصح عنه أنه صلى ست ركعات في أربع سجدات وهذا عند أهل العلم جائز على قدر الكسوف، إن تطاول الكسوف فصلى ست ركعات في أربع سجدات، فهو جائز، وإن صلى أربع ركعات في أربع سجدات وأطال القراءة فهو جائز، ويرى أصحابنا، أن تصلى صلاة الكسوف في جماعة في كسوف الشمس والقمر
هذا الحديثُ إحدى الرِّواياتِ الصَّحيحةِ المَرويَّةِ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في كَيفيَّةِ صَلاةِ كُسوفِ الشَّمسِ، وكلُّ الرِّواياتِ تَصِفُ حالًا مِن أحوالِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم وَما كانَ يَفعَلُه عندَ هَذه النَّازلةِ، وأنَّه كانَ يَفزَعُ إلى الصَّلاةِ بيْنَ يَديِ اللهِ سُبحانه حتَّى تَنكشِفَ الغُمَّةُ، فيُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عنهما كيْفَ كانتْ صِفةُ صَلاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عندَ كُسوفِ الشَّمسِ وغِيابِ ضَوئِها كلِّه أو بعضِه عن الأرضِ، فأخبَرَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم صلَّى عندَ كُسوفِ الشَّمسِ رَكعتينِ؛ يَقرَأُ في كلِّ رَكعةٍ أربَعَ مرَّاتٍ، ويَركَعُ أربعَ رُكوعاتٍ، ويَسجُدُ سَجدتينِ في كلِّ رَكعةٍ، وتكونُ السَّجدتانِ بعْدَ الرُّكوعِ الرَّابعِ.
فالواردُ هنا مِن جُملةِ صِفاتِ صَلاةِ الكُسوفِ أنَّها تُصلَّى رَكعتينِ، في كُلِّ رَكعةٍ أرْبعُ رُكوعاتٍ وسَجدتانِ.
قيل: إنَّ المشهورَ في كَيفيَّةِ صلاةِ الكُسوفِ: أنَّها ركعَتانِ، في كلِّ رَكعةٍ قِيامَانِ وقِراءَتان ورُكوعانِ، وأمَّا السُّجودُ فسَجدَتانِ كغَيرِهما، وسَواءٌ تَمادى الكسوفُ وطالَ أمْ لا.
وظاهرةُ الكسوفِ والخسوفِ تَحدُثُ لأنَّ القمرَ جِسمٌ مُظلِمٌ يَستمِدُّ نُورَه مِن ضَوءِ الشَّمسِ، كمِرآةٍ يقَعُ عليها الضَّوءُ فتَعكِسُه، ويُخيَّلُ للنَّاظرِ أنَّها مُضِيئةٌ، كما أنَّ الأرضَ كذلك، ولمَّا كان القانونُ الَّذي أودَعَه اللهُ في الكونِ يَقْضي بأنْ تقَعَ الأرضُ أحيانًا بيْن الشَّمسِ والقمرِ، فتَحجِبَ ضَوءَ الشَّمسِ عن القمَرِ كلِّه أو بعضِه، وبأنْ يقَعَ القمرُ أحيانًا بيْن الشَّمسِ والأرضِ، فيَحجِبَ ضَوءَ الشَّمسِ عن رُؤيةِ أهلِ بُقعةٍ مِن الأرضِ، لمَّا كان الأمرُ كذلك وقَعَت ظاهرةُ كُسوفِ الشَّمسِ والقمَرِ لأهلِ الأرضِ.