باب ما جاء في إيجاب التشميت بحمد العاطس
سنن الترمذى
حدثنا ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان، عن سليمان التيمي، عن أنس بن مالك، أن رجلين عطسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر، فقال الذي لم يشمته: يا رسول الله شمت هذا ولم تشمتني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه حمد الله وإنك لم تحمد الله»: «هذا حديث حسن صحيح» وقد روي عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم
مِن حُقوق المُسلِم على أَخِيه: تَشمِيتُه إذا عَطَس، وهو أنْ يَدعُوَ له من سَمِع عُطاسَه بالرَّحمةِ فيَقولَ له: «يَرْحَمُكم اللهُ».
وفي هذا الحَديثِ تعليمٌ نَبَويٌّ في هذا الشَّأنِ؛ فيروي أنَسُ بنُ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه عَطَسَ رجُلانِ عندَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فشَمَّت النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحدَهما ولمْ يُشمِّتِ الآخَرَ، فسُئِل عن سَببِ ذلك فقال: هذا حَمِد اللهَ، بعْدَ عُطاسِه، وهذا لم يَحْمَدِ اللهَ.
وهذا يدُلُّ على أنَّ هذا الحقَّ مُتعلِّقٌ بأنْ يَحمَدَ العاطِسُ اللهَ، فيَستحِقُّ الدُّعاءَ له بالرَّحمةِ؛ وذلك لأنَّه كان مِن أهلِ الرَّحمةِ حيثُ عظَّمَ ربَّه بالحَمدِ على نِعمتِه وعرَفَ قَدْرَها، ومِن فَوائدِ التَّشميتِ: تَحصيلُ المَودَّةِ، والتَّأليفُ بيْن المُسلِمينَ.
وأصلُ التَّشمِيتِ: إزالةُ شَماتةِ الأعداءِ بالدُّعاء له، أو أنَّه إذا حَمِد اللهَ أَدْخَل على الشَّيطانِ ما يَسُوءُه، فشَمِت هو بالشَّيطانِ.
وقيل: اشتقاقُه من الشَّوامِتِ، وهي القوائِمُ، كأنَّه دُعاءٌ للعاطِسِ بالثَّباتِ على طاعةِ اللهِ عزَّ وجَلَّ، وقيل: أبعَدَك اللهُ عن الشَّماتةِ وجَنَّبَك ما يُشمَتُ به عليك، والشَّماتةُ فَرَحُ العَدُوِّ ببَلِيَّةٍ تَنزِلُ بمن يعاديه.
وفي الحَديثِ: تعليمُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الآدابَ العامَّةَ لأصحابِه والأذكارَ والدَّعَواتِ التي تقالُ فيها.
وفيه: أنَّ الجَزاءَ مِن جِنسِ العَمَلِ، فكما أنَّ الحامِدَ بعد عُطاسِه يستحِقُّ الدُّعاءَ له، فإنَّ الغافِلَ عن الحَمدِ لا يُدعى له.