باب ما جاء في الساعة التي ترجى في الجمعة 3

سنن ابن ماجه

باب ما جاء في الساعة التي ترجى في الجمعة 3

حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، حدثنا ابن أبي فديك، عن الضحاك بن عثمان، عن أبي النضر، عن أبي سلمة
عن عبد الله بن سلام، قال: قلت، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس: إنا لنجد في كتاب الله: في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل الله فيها شيئا إلا قضى له حاجته، قال عبد الله: فأشار إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أو "بعض ساعة"، فقلت: صدقت، أو بعض ساعة.
قلت: أي ساعة هي؟ قال: آخر ساعات النهار. قلت: إنها ليست ساعة صلاة! قال: بلى، إن العبد المؤمن إذا صلى ثم جلس، لا يحبسه (1) إلا الصلاة، فهو في صلاة (2).

يَومُ الجُمُعةِ يومٌ عظيمٌ، وفيه صلاةُ الجُمُعةِ وخُطبتُها، وهو يومُ عيدٍ أسبوعيٍّ، وقد أعطى اللهُ الأمَّةَ فيه ساعةَ إجابةٍ لِمَن يَدْعوه.
وفي هذا الحديثِ يقولُ عبدُ اللهِ بنُ سَلَامٍ رَضِي اللهُ عَنه: "قلتُ ورَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم جالِسٌ: إنَّا لَنَجِدُ في كتابِ اللهِ"، والمرادُ به التَّوراةُ الَّتي أنزَلَها اللهُ على موسى عليه السَّلامُ؛ وذلك أنَّ عبدَ اللهِ بنَ سَلَامٍ كان يَهوديًّا عالِمًا باليهوديَّةِ، "في يومِ الجُمُعةِ ساعةٌ لا يُوافِقُها"، أي: يُصادِفُها، "عبدٌ مُؤمِنٌ يُصلِّي يَسأَلُ اللهَ فيها شيئًا إلَّا قضى له حاجتَه"، أي: الدَّعوةُ فيها مُستجابةٌ، قال ابنُ سلَامٍ رَضِي اللهُ عَنه: "فأشار إليَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: أو بَعْضُ ساعةٍ"، أي: جزءٌ مِن الوقتِ، فقال ابنُ سلَامٍ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "صدَقتَ؛ أو بَعضُ ساعةٍ، قلتُ: أيُّ ساعةٍ هي؟"، أي: في أيِّ وقتٍ بالتَّحديدِ مِن يومِ الجُمُعةِ؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "هي آخِرُ ساعاتِ النَّهارِ"، أي: إنَّ وقتَها يكونُ في هذا الوقتِ، قال ابنُ سلَامٍ: "إنَّها ليسَتْ ساعةَ صلاةٍ"، أي: ليس يُصادِفُها وقتُ صلاةٍ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "بَلى، إنَّ العَبدَ المؤمِنَ إذا صلَّى ثمَّ جلَس لا يَحبِسُه إلَّا الصَّلاةُ فهو في الصَّلاةِ"، أي: لا يَشغَلُه بينَ الصَّلاتَين إلَّا الذِّكْرُ والدُّعاءُ، وهذا الحَديثُ حدَّد ساعةَ الإجابةِ بآخِرِ ساعةٍ في النَّهارِ.
وقد ثبَت في تحديدِ تِلك السَّاعةِ وَقتٌ آخَرُ؛ رواه مُسلِمٌ عن ﺃﺑﻲ ﻣﻮﺳﻰ الأشعريِّ رضِيَ اللهُ عنه، ﻗﺎﻝ: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم في شأنِ ساعةِ الجُمُعةِ يقولُ: "هي ما بينَ أنْ يَجلِسَ الإمامُ إلى أنْ تُقْضَى الصَّلاةُ"، ولا تنافِيَ بينَ الواردِ في تحديدِ وقتِ ساعةِ الإجابةِ؛ فأحْرَاها وأرْجَاها ما بين جُلوسِ الإمامِ على المنبرِ إلى أن تُقضَى الصلاةُ، وما بعدَ صلاةِ العصرِ إلى غروبِ الشمسِ؛ فيَنبغي الإكثارُ في يومِ الجُمُعةِ مِن الدُّعاءِ رجاءَ أن يُصادِفَ هذه الساعةَ المباركةَ، ولكنْ ينبغي أنْ تَحظَى الأوقاتُ المذكورةُ بمزيدٍ من العِنايةِ.
وفي الحديثِ: الحثُّ على تَحرِّي ساعةِ الإجابةِ يومَ الجُمُعةِ.
وفيه: بيانُ فضلِ يومِ الجمعةِ.