باب ما جاء من الفضل في رضا الوالدين1
سنن الترمذى
حدثنا أبو حفص عمرو بن علي قال: حدثنا خالد بن الحارث قال: حدثنا شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رضى الرب في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد» حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، نحوه، ولم يرفعه وهذا أصح،: وهكذا روى أصحاب شعبة، عن شعبة، عن يعلى بن عطاء، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، موقوفا، ولا نعلم أحدا رفعه غير خالد بن الحارث، عن شعبة وخالد بن الحارث ثقة مأمون، سمعت محمد بن المثنى يقول: ما رأيت بالبصرة مثل خالد بن الحارث، ولا بالكوفة مثل عبد الله بن إدريس وفي الباب عن عبد الله بن مسعود
لم يَتوقَّفِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن مُتابَعَةِ الْوَصايا لأصْحابِه رضِيَ اللهُ عنهم؛ حتى يُوصِلَهم إلى رِضا اللهِ عزَّ وجلَّ ويُبعِدَهم عن سَخَطِه وعِقابِه؛ وليَفوزوا بالدُّنْيا والآخِرَةِ.
وفي هذا الحديثِ بعضُ وَصاياه العَظيمةِ، حيث يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "رِضا اللهِ في رِضا الوالدَيْنِ"، أي: إرضاءُ الوالديْنِ سَبيلٌ لرِضا اللهِ عزَّ وجلَّ؛ فيَعْفو ويَغْفِرُ له؛ وذلك بالإحْسانِ إليهما، والقيامِ بِخْدِمَتِهما، وتَرْكِ عُقُوقِهما، حتى يَرْضَيا عن ابنِهِما، شَريطةَ أنْ تكونَ الطاعَةُ التي يتحصَّلُ بها الابنُ على رِضا الوالدَيْنِ فيما يُرْضي اللهَ عزَّ وجلَّ لا فيما يُسخِطُه؛ لأنَّه لا طاعَةَ لمَخْلوقٍ في مَعْصيَةِ الخالِقِ؛ قال تَعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِه عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]، "وسَخَطُ اللهِ في سَخَطِ الوالدَيْنِ" وذلك إذا أساءَ المَرْءُ إلى والدَيْهِ بالقَوْلِ أو الفِعْلِ، وحقُّ الوالدَيْنِ يأتي بعدَ حَقِّ اللهِ عَزَّ وجَلَّ؛ كما قال تَعالَى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان: 14]، وحُصولُ رِضا اللهِ يكونُ بالفوْزِ بالنَّعيمِ المُقيمِ في الجَنَّةِ، والقُربِ من الله الرَّحيمِ الرَّحْمنِ؛ ولذلك يُقدَّمُ رِضاهما على فِعلِ ما يَجِبُ على المرْءِ من فُروضِ الكِفايَةِ.
وهذا من رَحْمةِ اللهِ بالوالدَيْنِ والأَوْلادِ؛ إذ بين الطرفيْنِ ارْتِباطٌ وَثيقٌ، والإِحْسانُ يَبْدَأُ من الوالدَيْنِ، وهو لا يُساويهِ إِحْسانُ أحَدٍ من الخَلْقِ، ومعَ التَّربيةِ وسَدِّ حاجَةِ الأوْلادِ الدِّينيَّةِ والدُّنْيويَّةِ والقيامِ بهذا الحَقِّ المُتأكَّدِ؛ فيَجِبُ على الأبناءِ الوَفاءُ بالحَقِّ، اكتسابًا للثَّوابِ، وتَعْليمًا لذُرِّيَّتِهم أن يُعامِلُوهم بما عامَلوا به والدَيْهم .